للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: سألوا تعجيل نصيبهم من الجنة إن كانت موجودة أن يلقوا (١) ذاك في الدنيا. وإنما خرج هذا منهم مخرج الاستبعاد والتكذيب.

وقال ابن جرير: سألوا تعجيل ما يستحقونه من الخير أو الشر في الدنيا وهذا الذي قاله جيد، وعليه يدور كلام الضحاك وإسماعيل بن أبي خالد والله أعلم.

﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠)

ولما كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء والاستبعاد قال الله تعالى لرسوله آمرا له بالصبر على أذاهم ومبشرا له على صبره بالعاقبة والنصر (٢) والظفر.

يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود : أنه كان ذا أيد والأيد: القوة في العلم والعمل.

قال [ابن عباس] (٣) وابن زيد والسدي: الأيد: القوة وقرأ ابن زيد: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: ٤٧]

وقال مجاهد: الأيد: القوة في الطاعة.

وقال قتادة: أعطي داود [] (٤) قوة في العبادة وفقها في الإسلام، وقد ذكر لنا أنه كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر.

وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى" (٥) وإنه كان أوابا، وهو الرجاع إلى الله ﷿ في جميع أموره وشئونه.

وقوله: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ) أي: إنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار، كما قال تعالى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٠] وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا تستطيع الذهاب بل تقف في الهواء وتسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعا له.

قال (٦) ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب حدثنا محمد بن بشر عن مِسْعَر عن عبد الكريم عن


(١) في أ: "يسلموا".
(٢) في أ: "والنصرة".
(٣) زيادة من ت، س.
(٤) زيادة من ت، س، أ.
(٥) صحيح البخاري برقم (١١٣١) وصحيح مسلم برقم (١١٥٩).
(٦) في ت: "وروى".