للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن شهر بن حوشب (١)، عن أسماء بنت يزيد (٢) قالت: سمعت رسول الله يقرأ: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] وسمعته يقول: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) ولا يبالي (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

ورواه أبو داود والترمذي، من حديث ثابت، به (٣).

فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد: أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة، ولا يقنطن (٤) عبد من رحمة الله، وإن عظمت ذنوبه وكثرت؛ فإن باب التوبة والرحمة واسع، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [التوبة: ١٠٤]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١١٠]، وقال تعالى في حق المنافقين: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [النساء: ١٤٥، ١٤٦]، وقال ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٣]، ثم قال ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤]، وقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ [البروج: ١٠].

قال الحسن البصري: انظر (٥) إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة!.

والآيات في هذا كثيرة جدا.

وفي الصحيحين عن أبي سعيد، عن رسول الله ، حديث الذي (٦) قتل تسعا (٧) وتسعين نفسا، ثم ندم وسأل عابدا من عُبَّاد بني إسرائيل: هل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله وأكمل (٨) به مائة. ثم سأل عالما من علمائهم: هل له من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أمره بالذهاب إلى قرية يعبد الله فيها، فقصدها فأتاه الموت في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأمر الله أن يقيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيهما كان أقرب فهو منها. فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر، فقبضته ملائكة الرحمة. وذكر أنه نأى بصدره عند الموت، وأن الله أمر البلدة الخيرة أن تقترب، وأمر تلك البلدة أن تتباعد (٩) (١٠) هذا معنى الحديث، وقد كتبناه في موضع آخر بلفظه.


(١) في ت: "وروى أيضا".
(٢) في أ: "يزيد ".
(٣) المسند (٦/ ٤٥٤) وسنن أبي داود برقم (٣٩٨٢) وسنن الترمذي برقم (٣٢٣٧).
(٤) في ت: "ولا يقنط".
(٥) في ت: "انظروا".
(٦) في ت: "أن رجلا".
(٧) في أ: "تسعة".
(٨) في ت: "فأكمل".
(٩) في أ: "تبتعد".
(١٠) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٤٧٠) ومسلم برقم (٢٧٦٦).