للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كما قال تعالى: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٧].

وهنا سؤال وهو أن يقال: ما الجمع بين المفهوم من هذه الآية، ودلالة هذا الحديث؟ وبين الحديث الذي رواه أبو داود:

حدثنا محمد بن الصباح البزار، حدثنا الوليد بن أبي ثور، عن سِماك، عن عبد الله بن عَمِيرة (١)، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، قال: كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله فمرت بهم سحابة، فنظر إليها فقال: "ما تسمون هذه؟ " قالوا: السحاب. قال: "والمزن؟ " قالوا: والمزن. قال: "والعَنَان؟ " قالوا: والعنان -قال أبو داود: ولم أتقن العنان جيدًا -قال: "هل تدرون بُعْدَ ما بين السماء والأرض؟ " قالوا: لا ندري. قال: "بُعد ما بينهما إما واحدة، أو اثنتان، أو ثلاث (٢) وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك" حتى عَدّ سبع سموات "ثم فوق السماء السابعة بحر (٣)، بين (٤) أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوْعَال، بين أظلافهن ورُكبهن مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله، ﷿، فوق ذلك" ثم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، من حديث سماك بن حرب، به (٥). وقال الترمذي: حسن غريب.

وهذا يقتضي أن حملة العرش ثمانية، كما قال شَهْر بن حَوْشَب: حملة العرش ثمانية، أربعة يقولون: "سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك". وأربعة يقولون: "سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك".

ولهذا يقولون إذا استغفروا (٦) للذين آمنوا: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا) أي: إن رحمتك تَسَع ذنوبهم وخطاياهم، وعلمك محيط بجميع أعمالهم [وأقوالهم] (٧) وحركاتهم وسكناتهم، (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) أي: فاصفح عن المسيئين (٨) إذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما كانوا فيه، واتبعوا ما أمرتهم به، من فعل الخيرات وترك المنكرات، (وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) أي: وزحزحهم عن عذاب الجحيم، وهو العذاب الموجع الأليم (٩).

﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩)

(رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) أي: اجمع بينهم وبينهم، لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة، كما قال [تعالى] (١٠) ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] (١١) أي: ساوينا بين الكل في المنزلة، لتقر أعينهم، وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني، بل رفعنا الناقص في العمل (١٢)، فساويناه بكثير العمل، تفضلا منا ومنة.


(١) في ت: عمرة".
(٢) في ت، س: "أو اثنين أو ثلاثة".
(٣) في ت: "ثم فوق السماء بحرا" وفي س: "ثم فوق السابعة بحر".
(٤) في أ: "بحر ما بين".
(٥) سنن أبي داود برقم (٤٧٢٣ - ٤٧٢٥) وسنن الترمذي برقم (٣٣٢٠) وسنن ابن ماجه برقم (١٩٣).
(٦) في ت: "استغفروا للمؤمنين".
(٧) زيادة من أ.
(٨) في أ: "المسلمين".
(٩) في ت: "المؤلم".
(١٠) زيادة من ت، س، أ.
(١١) في س: "واتبعتهم ذريتهم".
(١٢) في ت، أ: "رفعنا ناقص العمل".