للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) أي: كما حقت كلمةُ العذاب على الذين كفروا من الأمم السالفة، كذلك حقت على المكذبين من هؤلاء الذين كذبوك وخالفوك يا محمد بطريق الأولى والأحرى؛ لأن من كذبّك (١) فلا وثوق له بتصديق غيرك.

﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٧)

يخبر تعالى عن الملائكة المقربين من حَمَلة العرش الأربعة، ومن حوله من الكروبيين، بأنهم يسبحون بحمد ربهم، أي: يقرنون بين التسبيح الدال على نفي النقائص، والتحميد المقتضي لإثبات صفات المدح، (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) أي: خاشعون له أذلاء بين يديه، وأنهم (يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي: من أهل الأرض ممن آمن بالغيب، فقيض الله سبحانه ملائكته المقربين أن يَدْعُوا للمؤمنين بظهر الغيب، ولما كان هذا من سجايا الملائكة عليهم الصلاة والسلام، كانوا يُؤمِّنون على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب، كما ثبت في صحيح مسلم: "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله" (٢).

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد -هو ابن أبي شيبة -حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن عكرمة عن ابن عباس (٣) [] (٤) أن رسول الله صَدّق أمية في شيء من شعره، فقال:

رَجُلٌ وَثَور تَحْتَ رِجْل يَمينه … وَالنَّسْرُ للأخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصَدُ

فقال رسول الله : "صدق". فقال:

وَالشمس تَطلعُ كل آخر لَيْلةٍ … حَمْراءُ يُصْبحُ لَونُها يَتَوَرّدُ

تَأبَى فَما تَطلُع لَنَا في رِسْلها … إلا معَذّبَة وَإلا تُجْلدَ

فقال النبي : "صدق" (٥).

وهذا إسناد جيد: وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة كانوا ثمانية،


(١) في س: "كذب بك".
(٢) صحيح مسلم برقم (٢٧٣٢) من حديث أبي الدرداء .
(٣) في ت: "وقد روى الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس".
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) المسند (١/ ٢٥٦) وقال الهيثمي في المجمع (٨/ ١٢٧): "رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس".