للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القُرَظي قال: حُدِّثْتُ أن عتبة بن ربيعة -وكان سيدا-قال يوما وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيَّها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلمه (١). فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها. قال: فقال له رسول الله : "قل يا أبا الوليد، أسمع". قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريدُ بما جئتَ به من (٢) هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا أموالا (٣). وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيّا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُدَاوَى منه -أو كما قال له-حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله يستمع منه قال: "أفرغت يا أبا الوليد؟ " قال: نعم. قال: "فاستمع مني" قال: أفعل. قال: (بسم الله الرحمن الرحيم * حم * تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك (٤) فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: أقسم -يحلف (٥) بالله-لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها لي، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُهُ ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم (٦).

وهذا السياق أشبه من الذي قبله، والله أعلم.


(١) في أ: "وكلمه".
(٢) في أ: "في".
(٣) في س: "مالا".
(٤) في أ: "وحالك".
(٥) في س: "نحلف".
(٦) انظر السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٢٩٣).