للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: وقال عمر بن الخطاب: لو كنت مؤذنا لكمل أمري، وما باليت ألا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار، سمعت رسول الله يقول: "اللهم اغفر للمؤذنين" ثلاثا، قال: فقلت: يا رسول الله، تركتنا، ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف. قال: "كلا يا عمر، إنه يأتي (١) على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم، وتلك لحوم حرمها الله على النار، لحوم المؤذنين" (٢).

قال: وقالت عائشة: ولهم هذه الآية: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قالت: فهو المؤذن إذا قال: "حي على الصلاة" فقد دعا إلى الله.

وهكذا قال ابن عمر، وعكرمة: إنها نزلت في المؤذنين.

وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي، ، أنه قال في قوله: (وَعَمِلَ صَالِحًا) قال: يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة.

ثم أورد البغوي حديث "عبد الله بن المغفل" قال: قال رسول الله : "بين كل أذانين صلاة". ثم قال في الثالثة: "لمن شاء" (٣) وقد أخرجه الجماعة في كتبهم، من حديث عبد الله بن بريدة، عنه (٤) وحديث الثوري، عن زيد العمي، عن أبي إياس معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك، ، قال الثوري: لا أراه إلا وقد رفعه إلى النبي : "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة".

ورواه أبو داود والترمذي، والنسائي في "اليوم والليلة" كلهم من حديث الثوري، به (٥). وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس، به (٦).

والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم، فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية؛ لأنها مكية، والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة، حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه، فقصه على رسول الله ، فأمره أن يلقيه على بلال فإنه أندى صوتا، كما هو مقرر في موضعه، فالصحيح إذًا أنها عامة، كما قال عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن البصري: أنه تلا هذه الآية: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خِيَرَة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال:


(١) في ت، س: "سيأتي".
(٢) ورواه الإسماعيلي في مسنده كما في مسند عمر لابن كثير (١/ ١٤٤) من طريق إبراهيم بن طهمان عن مطر عن الحسن البصري عن عمر به والحسن لم يسمع من عمر.
(٣) معالم التنزيل للبغوي (٧/ ١٧٤).
(٤) صحيح البخاري برقم (٦٢٧) وصحيح مسلم برقم (٨٣٨) وسنن أبي داود برقم (٢٢٨٣) وسنن الترمذي برقم (١٨٥) وسنن النسائي (٢/ ٢٨) وسنن ابن ماجه برقم (١١٦٢).
(٥) سنن أبي داود برقم (٥٢١) وسنن الترمذي برقم (٢١٢) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٩٨٩٦).
(٦) النسائي في السنن الكبرى برقم (٩٨٩٩).