للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إنني من المسلمين، هذا خليفة الله.

وقوله: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ) أي: فرق عظيم بين هذه وهذه، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي: من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر [] (١) ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.

وقوله: (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي: قريب إليك من (٢) الشفقة عليك والإحسان إليك.

ثم قال: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي: وما يقبل (٣) هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.

وقوله: (وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) أي: إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه، كفه عنك ورد كيده. وقد كان رسول الله : إذا قام إلى الصلاة يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" (٤).

وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في "سورة الأعراف" عند قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٩٩، ٢٠٠]، وفي سورة المؤمنين عند قوله: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٦ - ٩٨].

[لكن الذي ذكر في الأعراف أخف على النفس مما ذكر في سورة السجدة؛ لأن الإعراض عن الجاهل وتركه أخف على النفس من الإحسان إلى المسيء فتتلذذ النفس من ذلك ولا انتقاد له إلا بمعالجة ويساعدها الشيطان في هذه الحال، فتنفعل له وتستعصي على صاحبها، فتحتاج إلى مجاهدة وقوة إيمان؛ فلهذا أكد ذلك هاهنا بضمير الفصل والتعريف باللام فقال: (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)] (٥).


(١) زيادة من ت، س.
(٢) في ت، أ: "في".
(٣) في أ: "يتقبل".
(٤) انظر تخريج الحديث عند تفسير الآية: ٩٧ من سورة "المؤمنون".
(٥) زيادة من ت، س.