للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحساب إلى يوم المعاد، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي: لعجل لهم العذاب، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي: وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا، بل كانوا شاكين فيما قالوا (١)، غير محققين لشيء كانوا فيه. هكذا وجهه ابن جرير، وهو محتمل، والله أعلم.

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)

يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) أي: إنما يعود نفع ذلك على نفسه، (وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) أي: إنما يرجع وبال ذلك عليه، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) أي: لا يعاقب أحدا إلا بذنب، ولا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه.

﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨)

ثم قال: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي: لا يعلم ذلك أحد سواه، كما قال ، وهو سيد البشر لجبريل وهو من سادات الملائكة -حين سأله عن الساعة، فقال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل"، وكما (٢) قال تعالى: ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾ [النازعات: ٤٤]، وقال ﴿لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧].

وقوله: (وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ) أي: الجميع بعلمه، لا يعزب عن علمه (٣) مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وقد قال تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا﴾ [الأنعام: ٥٩]، وقال جلت عظمته: ﴿يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨]، وقال ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر: ١١].

وقوله: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي) أي: يوم القيامة ينادي الله المشركين على رءوس الخلائق: أين شركائي الذين عبدتموهم معي؟ (قَالُوا آذَنَّاكَ) أي: أعلمناك، (مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) أي: ليس أحد منا اليوم يشهد أن معك شريكا.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) أي: ذهبوا فلم ينفعوهم، (وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي: وظن المشركون يوم القيامة، وهذا بمعنى اليقين، (مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي: لا محيد لهم عن عذاب الله، كقوله تعالى: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ [الكهف: ٥٣].


(١) في ت، س: "قالوه".
(٢) في ت: "ولهذا".
(٣) في ت: "عمله".