للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَمَاعَتَهُمْ، وَرَدَّهُمْ خَائِبِينَ خَاسِرِينَ بِغَيْظِهِمْ وحَنَقهم، لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا لَا فِي الدُّنْيَا، مِمَّا كَانَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الظَّفَرِ وَالْمَغْنَمِ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ بِمَا تَحَمَّلُوهُ (١) مِنَ الْآثَامِ فِي مُبَارَزَةِ الرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، بِالْعَدَاوَةِ، وَهَمِّهِمْ بِقَتْلِهِ، وَاسْتِئْصَالِ جَيْشِهِ، ومَنْ هَمّ بِشَيْءٍ وصَدق هَمَّه بِفِعْلِهِ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَفَاعِلِهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} أَيْ: لَمْ يَحْتَاجُوا (٢) إِلَى مُنَازَلَتِهِمْ وَمُبَارَزَتِهِمْ حَتَّى يُجْلُوهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ، بَلْ كَفَى اللَّهُ وَحْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وأعزَّ جُنْدَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٣) لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وأعزَّ جُنْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ". أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (٤) .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوْفى قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الْأَحْزَابَ. اللَّهُمَّ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ" (٥) . وَفِي قَوْلِهِ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} : إِشَارَةٌ إِلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَهَكَذَا وَقَعَ بَعْدَهَا، لَمْ يَغُزْهُمُ الْمُشْرِكُونَ، بَلْ غَزَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِهِمْ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا (٦) انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنِ الْخَنْدَقِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغْنَا: "لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّكُمْ تَغْزُونَهُمْ" فَلَمْ تَغْزُ (٧) قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ هُوَ يَغْزُوهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ (٨) حَدِيثٌ صَحِيحٌ، كَمَا قَالَ (٩) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَد يَقُولُ: (١٠) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: "الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا".

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهِ (١١) .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} أَيْ: بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، رَدَّهُمْ خَائِبِينَ، لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، وَأَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَصَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ رَسُولَهُ وَعَبْدَهُ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.


(١) في ت: "مما عملوا".
(٢) في أ: "لم تحتاجوا".
(٣) في ت: "وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤١١٤) وصحيح مسلم برقم (٢٧٢٤) باختلاف في اللفظ.
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٩٣٣) وصحيح مسلم برقم (١٧٤٢) .
(٦) في ت، ف: "فلما".
(٧) في أ: "تعد".
(٨) في ت: "وهذا الذي ذكره ابن إسحاق".
(٩) في ت: "رواه".
(١٠) في ت: "قال".
(١١) المسند (٤/٢٦٢) وصحيح البخاري برقم (٤١٠٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>