للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (٥١)

يقول تعالى: لا يَمَلّ الإنسان من دعائه ربّه بالخير -وهو: المال، وصحة الجسم، وغير ذلك-وإن مسه الشر -وهو البلاء أو الفقر- (فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) أي: يقع في ذهنه أنه لا يتهيأ له بعد هذا خير.

(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي) أي: إذا أصابه خير ورزق بعد ما كان في شدة ليقولن: هذا لي، إني كنت أستحقه عند ربي، (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) أي: يكفر بقيام الساعة، أي: لأجل أنه خُوِّل نعمة يفخر، ويبطر، ويكفر، كما قال تعالى: ﴿كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: ٦، ٧].

(وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى) أي: ولئن كان ثَمّ معاد فليُحسنَنّ إلي ربي، كما أحسن إلي في هذه الدار، يتمنى على الله، ﷿، مع إساءته العمل وعدم اليقين. قال تعالى: (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) يتهدد تعالى من كان هذا عمله واعتقاده بالعقاب والنكال.

ثم قال: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ) أي: أعرض عن الطاعة، واستكبر عن الانقياد لأوامر الله، ﷿، كقوله تعالى: ﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ﴾ [الذاريات: ٣٩].

(وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي: الشدة، (فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) أي: يطيل المسألة في الشيء الواحد فالكلام العريض: ما طال لفظه وقل معناه، والوجيز: عكسه، وهو: ما قل ودل. وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا (١) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٢].

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤)

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالقرآن: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ) هَذَا الْقُرْآنُ (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) أي: كيف تُرَون حالكم عند الذي أنزله على رسوله؟ ولهذا قال: (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)؟


(١) في ت، س: "أو قائما أو قاعدا" وهو خطأ.