للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) فيه ترغيب فيها، وترهيب منها، وتزهيد في الدنيا.

وقوله: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا) أي: يقولون: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سبأ: ٢٩]، وإنما يقولون (١) ذلك تكذيبا واستبعادا، وكفرا وعنادا، (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا) أي: خائفون وجلون من وقوعها (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ) أي: كائنة لا محالة، فهم مستعدون لها عاملون من أجلها.

وقد رُوي من طرق تبلغ درجة التواتر، في الصحاح والحسان، والسنن والمسانيد، وفي بعض ألفاظه؛ أن رجلا سأل رسول الله بصوت جَهْوَرِيّ، وهو في بعض أسفاره فناداه فقال: يا محمد. فقال له النبي نحوا من صوته "هاؤم". فقال: متى الساعة؟ فقال له رسول الله : "ويحك، إنها كائنة، فما أعددت لها؟ " فقال: حُب الله ورسوله. فقال: "أنت مع من أحببت" (٢).

فقوله في الحديث: "المرء مع من أحب"، هذا متواتر لا محالة، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة، بل أمره بالاستعداد لها.

وقوله: (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ) أي: يحاجّون في وجودها ويدفعون وقوعها، (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي: في جهل بين؛ لأن الذي خلق السماوات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى، كما قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].

﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢)

يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم، لا ينسى أحدا منهم، سواء في رزقه البرّ والفاجر، كقوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: ٦] ولها (٣) نظائر كثيرة.

وقوله: (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) أي: يوسع على من يشاء، (وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) أي: لا يعجزه شيء.


(١) في ت: "يقول".
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٦١٦٧) ومسلم في صحيحه برقم (٢٦٣٩) من حديث أنس بن مالك .
(٣) في ت: "ولهذا".