للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أين من هو في العَرَصَات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه، ممن هو في روضات الجنات، فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ، فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

قال: الحسن بن عرفة: حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري (١) عن أبي طَيْبَة، قال: إن الشَّرْب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول: ما أمْطِرُكُم. قال: فما يدعو داع من (٢) القوم بشيء إلا أمطرتهم، حتى إن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا.

رواه ابن جرير، عن الحسن بن عرفة، به.

ولهذا قال تعالى: (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) أي: الفوز العظيم، والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة.

﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٤)

يقول تعالى لما ذكر روضات الجنة، لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي: هذا حاصل لهم كائن لا محالة، ببشارة الله لهم به.

وقوله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش: لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم مالا تعطونيه، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات (٣) ربي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة.

قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاوسا (٤) عن ابن عباس: أنه سئل عن قوله تعالى: (إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد. فقال ابن عباس: عَجِلْتَ إن النبي لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. انفرد به البخاري (٥).

ورواه الإمام أحمد، عن يحيى القطان، عن شعبة به. وهكذا روى عامر الشعبي، والضحاك، وعلي بن أبي طلحة، والعَوْفي، ويوسف بن مِهْران وغير واحد، عن ابن عباس، مثله. وبه قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والسدي، وأبو مالك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني (٦) حدثنا هاشم بن يزيد الطبراني وجعفر القلانسي قالا حدثنا


(١) في ت: "روى الحسن بن عرفة بسنده".
(٢) في أ: "في".
(٣) في ت، م، أ: "رسالة".
(٤) في ت: "روى البخاري بسنده".
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٨١٨) والمسند (١/ ٢٢٩).
(٦) في ت: "وروى الطبراني".