للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أوائل (١) هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله عاد بعائدته ورحمته، وكرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة، أو ما شاء الله من ذلك.

وقول قتادة لطيف المعنى جدا، وحاصله أنه يقول في معناه: أنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير والذكر (٢) الحكيم -وهو القرآن-وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل أمر (٣) به ليهتدي من قَدّر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته.

ثم قال تعالى -مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه، وآمرا له بالصبر عليهم-: (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأوَّلِينَ) أي: في شيع الأولين، (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أي: يكذبونه ويسخرون به.

وقوله: (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا) أي: فأهلكنا المكذبين بالرسل، وقد كانوا أشد بطشا من هؤلاء المكذبين لك يا محمد. كقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ [غافر: ٨٢] والآيات في ذلك كثيرة.

وقوله: (وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ) قال مجاهد: سنتهم. وقال قتادة: عقوبتهم. وقال غيرهما: عبرتهم، أي: جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم، كقوله في آخر هذه السورة: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ﴾ [الزخرف: ٥٦]. وكقوله: ﴿سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ [غافر: ٨٥] وقال: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا﴾ [الأحزاب: ٦٢].

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠)

يقول تعالى: ولئن سألت -يا محمد-هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره: (مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) أي: ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله [تعالى] (٤) وحده لا شريك له، وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد.

ثم قال: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا) أي: فراشًا قرارًا ثابتة، يسيرون عليها ويقومون وينامون وينصرفون، مع أنها مخلوقة على تيار الماء، لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا، (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا) أي: طرقا بين الجبال والأودية (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي: في سيركم من بلد إلى بلد،


(١) في ت: "أول".
(٢) في ت، م، أ: "إلى الخير وإلى الذكر".
(٣) في ت، م: "يأمر".
(٤) زيادة من أ.