للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال في هذه الآية -بعد أن ذكر حجتهم هذه-: (مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي: بصحة ما قالوه واحتجوا به (إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) أي: يكذبون ويتقولون.

وقال مجاهد في قوله: (مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) أي (١) ما يعلمون قدرة الله على ذلك.

﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢)

يقول تعالى منكرا على المشركين في عبادتهم غير الله بلا برهان ولا دليل ولا حجة: (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ) أي: من قبل شركهم، (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) أي: فيما هم فيه، أي: ليس الأمر كذلك، كقوله: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٣٥] أي: لم يكن ذلك.

ثم قال: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) أي: ليس لهم مستند (٢) فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد، بأنهم كانوا على أمة، والمراد بها الدين هاهنا، وفي قوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الأنبياء: ٩٢].

وقولهم: (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ) أي: ورائهم (مهتدون)، دعوى منهم بلا دليل.

﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)

ثم بين تعالى أن مقالة هؤلاء قد سبقهم إليها أشباههم ونظراؤهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل، تشابهت قلوبهم، فقالوا مثل مقالتهم: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات: ٥٢، ٥٣]، وهكذا قال هاهنا: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)

ثم قال تعالى: (قل) أي: يا محمد لهؤلاء المشركين: (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) أي: ولو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به، لما انقادوا لذلك بسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله.

قال الله تعالى: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) أي: من الأمم المكذبة بأنواع من العذاب، كما فصله تعالى في قصصهم، (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)؟ أي: كيف بادوا وهلكوا، وكيف نجى الله المؤمنين؟.


(١) في ت، م: "يعني".
(٢) في أ: "سند".