للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويتوارى من القوم من خجله من ذلك، يقول تعالى: فكيف تأنفون أنتم من ذلك، وتنسبونه إلى الله ﷿؟.

ثم قال: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) أي: المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عَيِيَّة، أوَ مَنْ يكون هكذا ينسب إلى جناب الله ﷿ (١)؟! فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه، ليجبر ما فيها من نقص، كما قال بعض شعراء العرب:

وَمَا الحَلْي إلا زينَةٌ من نقيصةٍ … يتمّمُ من حُسْن إذا الحُسْن قَصَّرا

وأمَّا إذَا كان الجمالُ موفَّرا … كحُسْنك، لم يَحْتَجْ إلى أن يزَوَّرا

وأما نقص معناها، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار، لا عبارة لها ولا همة، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: "ما هي بنعم الولد: نصرها بالبكاء، وبرها سرقة".

وقوله: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا) أي: اعتقدوا فيهم ذلك، فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك، فقال: (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) أي: شاهدوه وقد خلقهم الله إناثا، (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ) أي: بذلك، (ويسألون) عن ذلك يوم القيامة. وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد.

(وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ) أي: لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام، التي هي على صور (٢) الملائكة التي هي بنات الله، فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه، فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:

أحدها: جَعْلُهم لله ولدا، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا.

الثاني: دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.

الثالث: عبادتهم لهم مع ذلك كله، بلا دليل ولا برهان، ولا إذن من الله ﷿، بل بمجرد الآراء والأهواء، والتقليد للأسلاف والكبراء والآباء، والخبط في الجاهلية الجهلاء.

الرابع: احتجاجهم بتقريرهم على ذلك قَدَرا [والحجة إنما تكون بالشرع] (٣)، وقد جهلوا في هذا الاحتجاج جهلا كبيرًا، فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار، فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه، قال [تعالى] (٤)، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥].


(١) في ت: "الله تعالى"، وفي م، أ: "الله العظيم".
(٢) في أ: "صورة".
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من أ.