للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(١) أي: ليقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه، فإنهم كما قال تعالى: ﴿لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦]. وقال: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا (٢) الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا﴾ [الأعلى: ١١ - ١٣]، فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك، (قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ): قال ابن عباس: مكث ألف سنة، ثم قال: إنكم ماكثون. رواه ابن أبي حاتم.

أي: لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها.

ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال: (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ) أي: بيناه لكم ووضحناه وفسرناه، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) أي: ولكن كانت سجاياكم لا تقبله ولا تقبل عليه، وإنما تنقاد للباطل وتعظمه، وتصد عن الحق وتأباه، وتبغض أهله، فعودوا على أنفسكم بالملامة، واندموا حيث لا تنفعكم (٣) الندامة.

ثم قال تعالى: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) قال مجاهد: أرادوا كيد شر فكدناهم.

وهذا الذي قاله مجاهد كما قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ٥٠]، وذلك لأن المشركين كانوا يتحيلون في رد الحق بالباطل بحيل ومكر يسلكونه، فكادهم الله، ورد وبال ذلك عليهم؛ ولهذا قال: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) أي: سرهم وعلانيتهم، (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) أي: نحن نعلم ما هم عليه، والملائكة أيضا يكتبون أعمالهم، صغيرها وكبيرها.

﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)

يقول تعالى: (قُلْ) يا محمد: (إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) أي: لو فرض هذا لعبدته


(١) صحيح البخاري برقم (٤٨١٩).
(٢) في م: "وسيجنبها".
(٣) في ت، م: "لا تنفع".