للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على ذلك لأني عبد من عبيده، مطيع لجميع ما يأمرني به، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته، فلو فرض كان هذا، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا، كما قال تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: ٤].

[و] (١) قال بعض المفسرين في قوله: (فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) أي: الآنفين. ومنهم سفيان الثوري، والبخاري حكاه فقال: ويقال: (أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) الجاحدين، من عبد يعبد.

وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، حدثني ابن أبي ذئب، عن أبي قُسَيْط (٢)، عن بَعَجة بن زيد الجهني؛ أن امرأة منهم دخلت على زوجها -وهو رجل منهم أيضا-فولدت له في ستة أشهر، فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان، ، فأمر بها أن ترجم، فدخل عليه علي بن أبي طالب، ، فقال: إن الله يقول في كتابه: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥]، وقال ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤]، قال: فوالله ما عبد عثمان، ، أن بعث إليها: ترد -قال يونس: قال ابن وهب: عبد: استنكف. (٣)

[و] (٤) قال الشاعر:

مَتَى مَا يَشَأ ذُو الوُدِّ يصْرِمْ خَليله … ويَعْبَدُ عَلَيه لا مِحَالَة ظَالمًا (٥)

وهذا القول فيه نظر؛ لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره: إن كان هذا فأنا ممتنع منه؟ هذا فيه نظر، فليتأمل. اللهم إلا أن يقال: "إن" ليست شرطا، وإنما هي نافية كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ)، يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين.

وقال قتادة: هي كلمة من كلام العرب: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) أي: إن ذلك لم يكن فلا ينبغي.

وقال أبو صخر: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) أي: فأنا أول من عبده بأن لا ولد له، وأول من وحده. وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

وقال مجاهد: (فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) أي: أول من عبده ووحده وكذبكم.


(١) زيادة من ت، م.
(٢) في ت: "ما رواه بإسناده".
(٣) تفسير الطبري (٢٥/ ٦١).
(٤) زيادة من ت، م.
(٥) البيت في تفسير الطبري (٢٥/ ٦٠).