للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهذا مع الأول من رواية ابن عباس يقتضي أن رسول الله لم يشعر بحضورهم في هذه المرة وإنما استمعوا قراءته، ثم رجعوا إلى قومهم ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسالا قوما بعد قوم، وفوجا بعد فوج، كما سيأتي بذلك الأخبار في موضعها والآثار، مما سنوردها (١) هاهنا إن شاء الله تعالى وبه الثقة.

فأما ما رواه البخاري ومسلم جميعا، عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن مسعر بن كدام، عن معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي قال: سألت مسروقا: من آذن النبي ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك -يعني ابن مسعود (٢) -أنه آذنته بهم شجرة (٣) -فيحتمل أن يكون هذا في المرة الأولى، ويكون إثباتا مقدما على نفي ابن عباس، ويحتمل أن يكون هذا في بعض المرات المتأخرات، والله أعلم. ويحتمل أن يكون في الأولى ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة، أي: أعلمته باستماعهم، والله أعلم.

قال الحافظ البيهقي: وهذا الذي حكاه ابن عباس (٤)، إنما هو في أول ما سمعت (٥) الجن قراءة رسول الله وعلمت حاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم، ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن فقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله، ﷿، كما رواه عبد الله بن مسعود، (٦).

ذكر الرواية عنه بذلك:

قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا داود عن الشعبي -وابن أبي زائدة، أخبرنا داود، عن الشعبي (٧) -عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود: هل صحب رسول الله ليلة الجن منكم أحد؟ فقال: ما صحبه منا أحد، ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة، فقلنا: اغتيل؟ استطير؟ ما فعل؟ قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما كان في وجه الصبح -أو قال: في السحر-إذا نحن به يجيء من قبل حراء، فقلنا: يا رسول الله -فذكروا له الذي كانوا فيه-فقال: "إنه أتاني داعي الجن، فأتيتهم فقرأت عليهم". قال: فانطلق، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم -قال: وقال الشعبي: سألوه الزاد-قال عامر: سألوه بمكة، وكانوا من جن الجزيرة، فقال: "كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان عليه لحما، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم -قال-فلا تستنجوا بهما، فإنهما زاد إخوانكم من الجن".

وهكذا رواه مسلم في صحيحه، عن علي بن حجر، عن إسماعيل ابن علية، به نحوه (٨).

وقال مسلم أيضا: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا داود -وهو ابن أبي هند-عن عامر قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود، ، شهد مع رسول الله ليلة


(١) في ت: "نوردها".
(٢) في ت: "ابن مسعود ".
(٣) صحيح البخاري برقم (٣٨٥٩) وصحيح مسلم برقم (٤٥٠).
(٤) في م، أ: "عنه".
(٥) في أ: "ما استمعت".
(٦) دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٢٢٧).
(٧) في ت: "فروى الإمام أحمد بسنده".
(٨) المسند (١/ ٤٣٦)، وصحيح مسلم برقم (٤٥٠).