للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ غَرِيبٌ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (١) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ سُلَيْمَانُ نَبِيُّ اللَّهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذَا صَلَّى رَأَى شَجَرَةً نَابِتَةً بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ: كَذَا. فَيَقُولُ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ فَإِنْ كَانَتْ لِغَرْسٍ غُرِسَتْ، وَإِنْ كَانَتْ لِدَوَاءٍ كُتِبَتْ. فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ رَأَى شَجَرَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتْ: الْخَرُّوبُ. قَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِخَرَابِ هَذَا الْبَيْتِ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: اللَّهُمَّ، عَمّ عَلَى الْجِنِّ مَوْتَتِي (٢) حَتَّى يَعْلَمَ الْإِنْسُ أَنَّ الْجِنَّ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ. فَنَحَتَهَا عَصًا، فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا حَوْلًا مَيِّتًا، وَالْجِنُّ تَعْمَلُ. فَأَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ، فَتَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ أَنَّ الْجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا [حَوْلًا] (٣) فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ".

قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ قَالَ: "فَشَكَرَتِ الْجِنُّ الْأَرَضَةَ (٤) ، فَكَانَتْ تَأْتِيهَا بِالْمَاءِ" (٥) .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمان، بِهِ. وَفِي رَفْعِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ لَهُ غَرَابَاتٌ، وَفِي بَعْضِ حَدِيثِهِ نَكَارَةٌ.

وَقَالَ السُّدِّي، فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَعَنْ مُرة الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ يَتَحَرَّرُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ، يُدْخِلُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَأَدْخَلُهُ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي تُوَفِّي فِيهَا، وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمٌ يُصْبِحُ فِيهِ إِلَّا نَبَتَتْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَجَرَةٌ، فَيَأْتِيهَا فَيَسْأَلُهَا، فَيَقُولُ: مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ: اسْمَيْ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ كَانَتْ لِغَرْسٍ غَرَسَهَا، وَإِنْ كَانَتْ نبْتَ دَوَاءٍ قَالَتْ: نَبَتُّ دَوَاءٍ لِكَذَا وَكَذَا. فَيَجْعَلُهَا (٦) كَذَلِكَ، حَتَّى نَبَتَتْ شَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا: الْخَرُّوبَةُ، فَسَأَلَهَا: مَا اسْمُكِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْخَرُّوبَةُ. قَالَ: وَلِأَيِّ شَيْءٍ نَبَتِّ؟ قَالَتْ: نَبَتُّ لِخَرَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ. قَالَ سُلَيْمَانُ: مَا كَانَ اللَّهُ ليُخَرِّبه وَأَنَا حَيٌّ؟ أَنْتِ الَّتِي عَلَى وَجْهِكِ هَلَاكِي وَخَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَنَزَعَهَا وَغَرَسَهَا فِي حَائِطٍ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمِحْرَابَ فَقَامَ يُصَلِّي مُتَّكِئًا عَلَى عَصَاهُ، فَمَاتَ وَلَمْ تَعْلَمْ (٧) بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَعْمَلُونَ لَهُ، يَخَافُونَ أَنْ يَخْرُجَ فَيُعَاقِبُهُمْ. وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَجْتَمِعُ حَوْلَ الْمِحْرَابِ، وَكَانَ الْمِحْرَابُ لَهُ كُوى بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ، فَكَانَ الشَّيْطَانُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَخْلَعَ يَقُولُ: أَلَسْتَ جَلْدًا (٨) إِنْ دَخَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ؟ فَيَدْخُلُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَدَخَلَ شَيْطَانٌ مِنْ أُولَئِكَ فَمَرَّ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْطَانٌ يَنْظُرُ إِلَى سُلَيْمَانَ فِي الْمِحْرَابِ إِلَّا احْتَرَقَ. فَمَرَّ وَلَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَسْمَعْ، ثُمَّ رَجَعَ فَوَقَعَ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَحْتَرِقْ. وَنَظَرَ إِلَى سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدْ سَقَطَ مَيِّتًا. فَخَرَجَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ مَاتَ. فَفَتَحُوا (٩) عَنْهُ


(١) في ت: "رواه ابن جرير بإسناده".
(٢) في ت: "موتى".
(٣) زيادة من ت، س، أ، والطبري.
(٤) في ت، س، أ: "للأرضة".
(٥) تفسير الطبري (٢٢/٥١) .
(٦) في ت، س: "فيجعل الشجرة".
(٧) في أ: "ولم يعلم".
(٨) في ت: "جليدا".
(٩) في هـ، س::فتنحوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>