للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهذه الطرق كلها تدل (١) على أنه ذهب إلى الجن قصدا، فتلا عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله، ﷿، وشرع الله لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت. وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن [و] (٢) لم يشعر بهم، كما قاله ابن عباس، (٣)، ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود. وأما ابن مسعود فإنه لم يكن مع رسول الله حال مخاطبته للجن ودعائه إياهم، وإنما كان بعيدا منه، ولم يخرج مع النبي أحد سواه، ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة، هذه طريقة البيهقي.

وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه ابن مسعود ولا غيره، كما هو ظاهر سياق الرواية الأولى من طريق الإمام أحمد، وهي عند مسلم. ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى، والله أعلم، كما روى ابن أبي حاتم في تفسير: (قُلْ أُوحِيَ)، من حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه بنخلة فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين، وتأوله البيهقي على أنه يقول: "فبتنا بشر ليلة بات بها قوم"، على غير ابن مسعود ممن لم يعلم بخروجه إلى الجن، وهو محتمل على بعد، والله أعلم.

وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله (٤) الأديب، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثني سويد بن سعيد، حدثنا عمرو بن يحيى، عن جده سعيد بن عمرو، قال (٥) كان أبو هريرة يتبع رسول الله بإداوة لوضوئه وحاجته، فأدركه يوما فقال: "من هذا؟ " قال: أنا أبو هريرة قال: "ائتني بأحجار أستنج بها، ولا تأتني بعظم ولا روثة". فأتيته بأحجار في ثوبي، فوضعتها إلى جنبه حتى إذا فرغ وقام اتبعته، فقلت: يا رسول الله، ما بال العظم والروثة (٦)؟ قال: "أتاني وفد جن نصيبين، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم ألا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوه طعاما" (٧).

أخرجه البخاري في صحيحه، عن موسى بن إسماعيل، عن عمرو بن يحيى، بإسناده قريبا منه (٨) فهذا يدل مع ما تقدم على أنهم وفدوا عليه بعد ذلك. وسنذكر ما يدل على تكرار ذلك.

وقد روي عن ابن عباس غير ما ذكر (٩) عنه أولا من وجه جيد، فقال ابن جرير:

حدثنا أبو كريب، حدثنا عبد الحميد الحماني، حدثنا النضر بن عربي، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ) الآية، [قال] (١٠) كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله رسلا إلى قومهم (١١).

فهذا يدل على أنه قد روى القصتين.


(١) في ت: "فهذه الأحاديث التي ذكرناها كلها تدل".
(٢) زيادة من ت.
(٣) في ت، أ: "عنه".
(٤) في أ: "عبد الوهاب".
(٥) في ت: "وقال الحافظ أبو بكر البيهقي بسنده".
(٦) في ت: "الروث".
(٧) دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٢٣٣).
(٨) صحيح البخاري برقم (٣٨٦٠).
(٩) في أ: "ما روي".
(١٠) زيادة من أ.
(١١) تفسير الطبري (٢٦/ ٢٢).