للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ) أي: أمرهم وحالهم، (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) أي: عرفهم بها وهداهم إليها.

قال مجاهد: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم الله لهم منها، لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا، لا يستدلون عليها أحدا. وروى مالك عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا.

وقال محمد بن كعب: يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة، كما تعرفون بيوتكم إذا انصرفتم من الجمعة.

وقال مقاتل بن حَيَّان: بلغنا أن الملك الذي كان وُكِّل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة، ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له، فيعرّفه كل شيء أعطاه الله في الجنة، فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل [إلى] (١) منزله وأزواجه، وانصرف الملك عنه ذكرهن (٢) ابن أبي حاتم، .

وقد ورد الحديث الصحيح بذلك أيضا، رواه البخاري من حديث قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري [] (٣)؛ أن رسول الله قال: "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، يتقاصّون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، والذي نفسي بيده، إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا" (٤).

ثم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، كقوله: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: ٤٠]، فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: (وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، كما جاء في الحديث: "من بَلَّغ ذا سلطان حاجة مَنْ لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدمه على الصراط يوم القيامة".

ثم قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ)، عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين الناصرين لله ولرسوله ، وقد ثبت في الحديث عن رسول الله أنه قال: "تَعِس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القَطِيفة -[وفي رواية: تعس عبد الخميصة] (٥) -تعس وانتكس، وإذا شِيكَ فلا انتقش"، أي: فلا شفاه الله.

وقوله: (وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) أي: أحبطها وأبطلها؛ ولهذا قال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ) أي: لا يريدونه ولا يحبونه، (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)


(١) زيادة من ت، م، أ.
(٢) في ت: "ذكر هذا".
(٣) زيادة من ت.
(٤) صحيح البخاري برقم (٦٥٣٥).
(٥) زيادة من ت، أ.