للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فُقَرَاءُ إِلَيْهِ، عُبَيْدٌ لَدَيْهِ.

قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} ، مِنْ عَوْنٍ يُعِينُهُ بِشَيْءٍ.

وَقَالَ: (١) {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أَيْ: لِعَظَمَتِهِ [وَجَلَالِهِ] (٢) وَكِبْرِيَائِهِ لَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَهُ تَعَالَى فِي شَيْءٍ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهِ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [الْبَقَرَةِ:٢٥٥] ، وَقَالَ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [وَيَرْضَى (٣) ] } [النَّجْمِ: ٢٦] ، وَقَالَ: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٢٨] .

وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (٤) ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَكْبَرُ شَفِيعٍ عِنْدَ اللَّهِ-: أَنَّهُ حِينَ يَقُومُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لِيَشْفَعَ فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمْ أَنْ يَأْتِيَ رَبَّهُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، قَالَ: "فَأَسْجُدُ لِلَّهِ فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، وَيَفْتَحَ عَلَيَّ بِمَحَامِدَ لَا أُحْصِيهَا الْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسمع (٥) ، وَسَلْ تُعْطَه وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ" الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ.

وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} . وَهَذَا أَيْضًا مَقَامٌ رَفِيعٌ فِي الْعَظَمَةِ. وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى إذا تكلم بالوحي، سمع أهل السموات كَلَامَهُ، أرْعدوا مِنَ الْهَيْبَةِ حَتَّى يَلْحَقَهُمْ مِثْلُ الْغَشْيِ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٌ، وَغَيْرُهُمَا.

{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم} أَيْ: زَالَ الْفَزَعُ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعيّ، وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم} يَقُولُ: جُلِّى عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَقَرَأَ بَعْضُ السَّلَفِ -وَجَاءَ مَرْفُوعًا-: " [حَتَّى] (٦) إذَا فُرِّغَ" بِالْغَيْنِ (٧) الْمُعْجَمَةِ، وَيَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ.

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُ بِذَلِكَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ لِلَّذِينِ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ لِمَنْ تَحْتَهُمْ، حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {قَالُوا الْحَقّ} أَيْ: أَخْبَرُوا بِمَا قَالَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .

وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا اسْتَيْقَظُوا مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْغَفْلَةِ فِي الدُّنْيَا، وَرَجَعَتْ إِلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: الْحَقُّ وَأُخْبِرُوا بِهِ مِمَّا كَانُوا عَنْهُ لَاهِينَ فِي الدُّنْيَا.

قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} : كَشَفَ عَنْهَا الْغِطَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي: مَا فِيهَا مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي: مَا فِيهَا مِنَ الشَّكِّ،


(١) في ت: "ثم قال".
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) تقدمت أحاديث الشفاعة عند تفسير الآية: ٧٩ من سورة الإسراء.
(٥) في س، أ: "تسمع".
(٦) زيادة من أ.
(٧) في ت: "بالعين".

<<  <  ج: ص:  >  >>