للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكافرين به في معادهم، ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠].

وقوله: (مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) أي: الذين أخرجوك من بين أظهرهم.

وقال ابن أبي حاتم: ذكر أبي، عن محمد بن عبد الأعلى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حَنَش (١)، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي (٢) لما خرج من مكة إلى الغار أراه قال: التفت (٣) إلى مكة -وقال: "أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحبّ بلاد الله إليّ، ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك" (٤). فأعدى الأعداء من عَدَا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذُحُول الجاهلية، فأنزل الله على نبيه : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ)

﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)﴾.

يقول: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) أي: على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه، بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم، وبما جَبَله الله عليه من الفطرة المستقيمة، (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) أي: ليس هذا، كهذا كقوله: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ [الرعد: ١٩]، وكقوله: ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الحشر: ٢٠].

ثم قال: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) قال عكرمة: (مَثَلُ الْجَنَّةِ) أي: نعتها (٥): (فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) قال ابن عباس، والحسن، وقتادة: يعني غير متغير. وقال قتادة، والضحاك، وعطاء الخراساني: غير منتن. والعرب تقول: أَسِن الماء، إذا تَغَيَّر ريحه.

وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم: (غَيْرِ آسِنٍ) يعني: الصافي الذي لا كَدَر فيه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وَكِيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مُرَّة (٦)، عن مسروق قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تُفَجَّر من جبل من مسك.


(١) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".
(٢) في ت: "أن رسول الله".
(٣) في ت، م: "وداراه".
(٤) ورواه الطبري في تفسيره (٢٦/ ٣١).
(٥) في ت، م، أ: "نعيمها".
(٦) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".