للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أجسادهم. فقال الله ﷿: وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني" (١)

والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جدا.

وقوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) أي: يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم، كقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ [الأنعام: ٦٠]، وكقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: ٦]. وهذا القول ذهب إليه ابن جريج، وهو اختيار ابن جرير. وعن ابن عباس: متقلبكم في الدنيا، ومثواكم في الآخرة.

وقال السدي: متقلبكم في الدنيا، ومثواكم في قبوركم.

والأول أولى وأظهر، والله أعلم.

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (٢٠) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣)﴾.

يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد، فلما فرضه الله، ﷿ (٢)، وأمر به نكل عنه كثير من الناس، كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ [النساء: ٧٧].

وقال ها هنا: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) أي: مشتملة على حُكْم القتال؛ ولهذا قال: (فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي: من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء. ثم قال مشجعا لهم: (فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أي: وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا، أي: في الحالة الراهنة، (فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ) أي: جد الحال، وحضر القتال، (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ) أي: أخلصوا له النية، (لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)

وقوله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي: عن الجهاد ونكلتم عنه، (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)


(١) رواه أحمد في مسنده (٣/ ٢٩) من حديث أبي سعيد الخدري .
(٢) في ت: "الله تعالى".