للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بن عمرو يرسُفُ في قيوده قد (١) خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن تَرُدّه إلي، فقال النبي : "إنا لم نَقْضِ الكتاب بعد". قال: فوالله إذًا لا أصالحك على شيء أبدا. فقال النبي : "فأجزه لي" فقال: ما أنا بمجيز ذلك لك، قال: "بلى فافعل". قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرَدّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟! وكان قد عُذِّبَ عذابا شديدا في الله ﷿. قال عمر [بن الخطاب] (٢) : فأتيت نبي الله ، فقلت: ألست نبي الله حقا؟ قال : "بلى". قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى". قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: "إني رسول الله، ولستُ أعصيه، وهو ناصري"، قلت: أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه (٣) العام؟ " قلت: لا قال: "فإنك آتيه ومُطوِّف به". قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغَرْزه، فوالله إنه على الحق. قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى قال: أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك تأتيه وتطوف به.

قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول (٤) الله لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا". قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات!! فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، قالت له أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله، ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ﴾ حتى بلغ: ﴿بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠]. فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع النبي إلى المدينة فجاءه أبو بصير -رجل من قريش-وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا، فاستله الآخر، فقال: أجل! والله إنه لجيد، لقد جربت منه ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه فضربه حتى بَرَد، وفَرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله (٥) حين رآه: "لقد رأى هذا ذُعرًا"، فلما انتهى إلى النبي قال:


(١) في ت: "حتى".
(٢) زيادة من ت.
(٣) في ت: "أنك تأتيه".
(٤) في ت: "النبي".
(٥) في م: "االنبي".