وفي هذا التفسير نظر؛ لأن الحذف في الكلام إنما يكون إذا دل دليل عليه، ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف؟.
وقوله:(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) أي: الكريم العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
واختلفوا في جواب القسم ما هو؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله:(قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ)
وفي هذا نظر، بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم، وهو إثبات النبوة، وإثبات المعاد، وتقريره وتحقيقه وإن لم يكن القسم متلقى لفظًا، وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ١، ٢]، وهكذا قال هاهنا:(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) أي: تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر كقوله تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ [يونس: ٢] أي: وليس هذا بعجيب؛ فإن الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس.
ثم قال مخبرًا عنهم في عجبهم أيضًا من المعاد واستبعادهم لوقوعه:(أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي: يقولون: أإذا متنا وبلينا، وتقطعت الأوصال منا، وصرنا ترابا، كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب؟ (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي: بعيد الوقوع، ومعنى هذا: أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه.
قال الله تعالى رادًا عليهم:(قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ) أي: ما تأكل من أجسادهم في البلى، نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان؟ وأين ذهبت؟ وإلى أين صارت؟ (وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) أي: حافظ لذلك، فالعلم شامل، والكتاب أيضًا فيه كل الأشياء مضبوطة.
قال العوْفِي، عن ابن عباس في قوله:(قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ) أي: ما تأكل من لحومهم وأبشارهم، وعظامهم وأشعارهم. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، وغيرهم.
ثم بين تعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال:(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي: وهذا حال كل من خرج عن الحق، مهما قال بعد ذلك فهو باطل. والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله، كقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٨، ٩].