للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (١١)

يقول تعالى منبها للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين لوقوعه: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا)؟ أي: بالمصابيح، (وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ). قال مجاهد: يعني من شقوق. وقال غيره: فتوق. وقال غيره: من صدوع. والمعنى متقارب، كقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: ٣، ٤] أي: كليل، أي: عن أن يرى عيبًا أو نقصًا.

وقوله: (وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا) أي: وسعناها وفرشناها، (وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ) وهي: الجبال؛ لئلا تميد بأهلها وتضطرب؛ فإنها مُقَرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها، (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي: من جميع الزروع والثمار والنبات والأنواع، ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: ٤٩]، وقوله: (بهيج) أي: حسن نضر.

(تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي: ومشاهدة خلق السموات [والأرض] (١) وما جعل [الله] (٢) فيهما من الآيات العظيمة تبصرة ودلالة وذكرى لكل عبد منيب، أي: خاضع خائف وجل رَجَّاع إلى الله ﷿.

وقوله تعالى: (وَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) أي: نافعًا، (فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ) أي: حدائق من بساتين ونحوها، (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) وهو: الزرع الذي يراد لحبه وادخاره.

(وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) أي: طوالا شاهقات. وقال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والسدي، وغيرهم: الباسقات الطوال. (لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) أي: منضود. (رِزْقًا لِلْعِبَادِ) أي: للخلق، (وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) وهي: الأرض التي كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، من أزاهير وغير ذلك، مما يحار الطرف في (٣) حسنها، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها، فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك، كذلك يحيي الله الموتى. وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث (٤) كقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧]، وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: ٣٣]، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً (٥) فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: ٣٩].


(١) زيادة من م، أ.
(٢) زيادة من أ.
(٣) في م: "من".
(٤) في م، أ: "البعث".
(٥) في م: "هامدة" وهو خطأ.