للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ عَظْمٍ مِنَ الْإِنْسَانِ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ يُختَم عَلَى الْأَفْوَاهِ، فَخذه مِنَ الرِّجْلِ الشِّمَالِ". (١)

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيد، عَنْ حُمَيد بْنِ هِلَالٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ أَبُو مُوسَى (٢) هُوَ الْأَشْعَرِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: يُدعى الْمُؤْمِنُ لِلْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَعْرضُ عَلَيْهِ (٣) رَبُّه عملَه فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَيَعْتَرِفُ (٤) فَيَقُولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، عملتُ عملتُ عَمِلْتُ. قَالَ: فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَيَسْتُرُهُ مِنْهَا. قَالَ: فَمَا عَلَى الْأَرْضِ خَليقة تَرَى (٥) مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ شَيْئًا، وَتَبْدُو حَسَنَاتُهُ، فَوَدَّ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَرَوْنَهَا، ويُدعى الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ لِلْحِسَابِ، فَيَعرضُ رَبُّه عَلَيْهِ عَمَلَهُ، فَيَجْحَدُ وفيقول: أَيْ رَبِّ، وَعَزَّتِكَ لَقَدْ كَتَبَ عَلَيَّ هَذَا الْمَلَكُ مَا لَمْ أَعْمَلْ. فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: أَمَا عَمِلْتَ كَذَا، فِي يَوْمِ كَذَا، فِي مَكَانِ كَذَا؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ أيْ رَبِّ مَا عملتُه. فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خُتِم عَلَى فِيهِ. قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: فَإِنِّي أَحْسَبُ أَوَّلَ مَا يَنْطِقُ مِنْهُ الْفَخِذُ (٦) الْيُمْنَى، ثُمَّ تَلَا {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (٧) .

وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهَا: يَقُولُ: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَضْلَلْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ؟ وَقَالَ مُرَّةُ (٨) : أَعْمَيْنَاهُمْ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ، فَجَعَلَهُمْ عُميًا يَتَرَدَّدُونَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَوْ شِئْنا أَعْمَيْنَا أَبْصَارَهُمْ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} يَعْنِي: الطَّرِيقَ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي بِالصِّرَاطِ هَاهُنَا: الْحَقَّ، {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} وَقَدْ طَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ؟

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} ] يَقُولُ] (٩) : لَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِم} قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَهْلَكْنَاهُمْ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: لَغَيَّرْنَا خَلْقَهم.

وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: لَجَعَلْنَاهُمْ حِجَارَةً.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ: لَأَقْعَدَهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا} أَيْ: إِلَى أَمَامٍ، {وَلا يَرْجِعُونَ} أَيْ: إِلَى وَرَاءٍ، بَلْ يَلْزَمُونَ حالا واحدًا، لا يتقدمون ولا يتأخرون.


(١) المسند (٤/١٥١) وقال الهيثمي في المجمع (١/٣٥١) : "إسناده جبد".
(٢) في ت: "وروى ابن جرير بإسناده عن أبي موسى.
(٣) في ت، أ: "على".
(٤) في ت: "فيعرف".
(٥) في ت: "يرى".
(٦) في ت، س: "لفخده".
(٧) تفسير الطبرى (٢٣/١٧) .
(٨) في أ: "غيره".
(٩) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>