للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانوا كثيرا من الليل ما يصلون.

وقال ابن عباس، وإبراهيم النَّخَعِي: (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ): ما ينامون.

وقال الضحاك: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا) ثم ابتدأ فقال: (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).

وقوله ﷿: (وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). قال مجاهد، وغير واحد: يصلون. وقال آخرون: قاموا الليل، وأخروا الاستغفار إلى الأسحار. كما قال تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ [آل عمران: ١٧]، فإن كان الاستغفار في صلاة فهو أحسن. وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة، عن رسول الله أنه قال: "إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى يطلع الفجر" (١).

وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب: أنه قال لبنيه: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ [يوسف ٩٨] قالوا: أخرهم إلى وقت السحر.

وقوله: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ): لما وصفهم بالصلاة ثنى بوصفهم (٢) بالزكاة والبر والصلة، فقال: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ) (٣) أي: جزء مقسوم قد أفرزوه (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، أما السائل فمعروف، وهو الذي يبتدئ بالسؤال، وله حق، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا وَكِيع وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان، عن مصعب بن محمد، عن يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها الحسين بن علي قال: قال رسول الله : "للسائل حق وإن جاء على فرس".

ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري، به (٤) ثم أسنده من وجه آخر عن علي بن أبي طالب (٥). وروي من حديث الهِرْماس بن زياد مرفوعا (٦).

وأما (المحروم)، فقال ابن عباس، ومجاهد: هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم. يعني: لا سهم له في بيت المال، ولا كسب له، ولا حرفة يتقوت منها.

وقالت أم المؤمنين عائشة: هو المحارَف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه. وقال الضحاك: هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب، قضى الله له ذلك.


(١) رواه مسلم في صحيحه برقم (٧٥٨).
(٢) في م، أ: "وصفهم".
(٣) في م، أ: (حق للسائل والمحروم).
(٤) المسند (١/ ٢٠١) وسنن أبي داود برقم (١٦٦٥).
(٥) سنن أبي داود برقم (١٦٦٦).
(٦) رواه الطبراني في المعجم الكبير (٢٢/ ٢٠٣) من طريق سليمان الدمشقي عن عثمان بن فايد عن عكرمة بن عمار عن الهرماس مرفوعا به وفيه عثمان بن فايد وهو ضعيف.