للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى): قد تقدم في أحاديث الإسراء أنه غشيتها الملائكة مثل الغِربان، وغشيها نور الرب، وغشيها ألوان ما أدري ما هي.

وقال الإمام أحمد: حدثنا مالك بن مِغْوَل، حدثنا الزبير بن عدي، عن (١) طلحة، عن مرة، عن عبد الله-هو ابن مسعود-قال: لما أسري برسول الله انتهي به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السابعة (٢)، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها، (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) قال: فراش من ذهب، قال: وأعطي رسول الله ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغُفر لمن لا يشرك بالله شيئًا من أمته المُقحمات. انفرد به مسلم (٣).

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي هريرة أو غيره -شك أبو جعفر-قال: لما أسري برسول الله انتهى إلى السدرة، فقيل له: هذه السدرة [قال]: (٤) فغشيها نور الخلاق، وغشيتها الملائكة مثل الغربان حين يقعن على الشجر، قال: فكلمه عند ذلك، فقال له: سل.

وقال (٥) ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) قال: كان أغصان السدرة لؤلؤا وياقوتا وزبرجدا، فرآها محمد، ورأى ربه بقلبه.

وقال ابن زيد: قيل: يا رسول الله، أيّ شيء رأيت يغشى تلك السدرة؟ قال: "رأيتُ يغشاها فَرَاشٌ من ذهب، ورأيت على كل ورقة من ورقها مَلَكا قائما يسبح الله، ﷿" (٦).

وقوله: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) قال ابن عباس: ما ذهب يمينا ولا شمالا (وَمَا طَغَى) ما جاوز ما أمر به.

وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة، فإنه ما فعل إلا ما أمر به، ولا سأل فوق ما أعطي. وما أحسن ما قال الناظم:

رأَى جَنَّةَ المَأوَى وَمَا فَوْقَها، وَلَو … رَأى غَيرُهُ ما قَد رَآه لتَاهَا

وقوله: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، كقوله: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [طه: ٢٣] (٧) أي: الدالة على قدرتنا وعظمتنا. وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم تقع؛ لأنه قال: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ولقال ذلك للناس، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة "سبحان" وقد قال الإمام أحمد:

حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد بن طلحة، عن الوليد بن قيس، عن إسحاق بن أبي الكَهْتَلة (٨)


(١) في أ: "بن".
(٢) في م: "السادسة".
(٣) المسند (١/ ٤٢٢) وصحيح مسلم برقم (١٧٣).
(٤) زيادة من أ.
(٥) في م: "فقال".
(٦) وهذا من مراسيل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف.
(٧) في م: "لنريه".
(٨) في م، أ: "الكهبلة".