للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] حتى ختم الآية". ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب، عن رِشْدِين بن سعد، عن (١) زَبَّان، به (٢).

ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: (أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) أي: كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها، لا يحمله عنها أحد، كما قال: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨]، (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) أي: كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه. ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي، ، ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة، ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليهما.

وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به" (٣)، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه" (٤). والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ (٥) الآية [يس: ١٢]. والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله، وثبت في الصحيح: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا".

وقوله: (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) أي: يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٠٥] أي: فيخبركم به، ويجزيكم عليه أتم الجزاء، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وهكذا قال هاهنا: (ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى) أي: الأوفر.


(١) في م: "بن".
(٢) تفسير الطبري (٢٧/ ٤٣) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٢٠/ ١٩٢) من كلا الطريقين وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ١١٧): "فيه ضعفاء وثقوا". قلت في الأولى: ابن لهيعة وهو ضعيف. وفي الثانية: رشدين بن سعد وهو ضعيف. وفيهما: زيان بن فائد وهو ضعيف.
(٣) صحيح مسلم برقم (١٦٣١).
(٤) رواه أحمد في المسند (٦/ ٣١) وأبو داود في السنن برقم (٣٥٢٨) والترمذي في السنن برقم (١٣٥٨) والنسائي في السنن (٧/ ٢٤٠) من حديث عائشة / وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
(٥) في م: (وآثارهم وكل شيء أحصيناه).