للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال سفيان الثوري -أو شريك-: بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد.

وقال القاسم بن محمد (١): بطائنها من إستبرق، وظواهرها من الرحمة.

وقال ابن شَوْذَب، عن أبي عبد الله الشامي: ذكر الله البطائن ولم يذكر الظواهر، وعلى الظواهر المحابس، ولا يعلم ما تحت المحابس إلا الله. ذكر ذلك كله الإمام ابن أبي حاتم.

(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) أي: ثمرها قريب إليهم، متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا، كما قال: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣]، وقال: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا﴾ [الإنسان: ١٤] أي: لا تمنع ممن تناولها، بل تنحط إليه من أغصانها، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).

ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك: (فِيهِنَّ) أي: في الفرش (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) أي غضيضات عن غير أزواجهن، فلا يرين شيئا أحسن في الجنة من أزواجهن. قاله ابن عباس، وقتادة، وعطاء الخراساني، وابن زيد.

وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها: والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك، ولا في الجنة شيئ أحب إلي منك، فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك.

(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) أي: بل هن أبكار عرب أتراب، لم يطأهن أحد قبل أزواجهن من الإنس والجن. وهذه أيضا من الأدلة على دخول مؤمني الجن الجنة.

قال أرطاة بن المنذر: سئل ضَمْرَةُ بن حبيب: هل يدخل الجن الجنة؟ قال: نعم، وينكحون، للجن جنيات، وللإنس إنسيات. وذلك قوله: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).

ثم قال ينعتهن للخطاب: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)، قال مجاهد، والحسن، [والسدي] (٢)، وابن زيد، وغيرهم: في صفاء الياقوت وبياض المرجان، فجعلوا المرجان هاهنا اللؤلؤ.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عُبِيدة بن حُمَيْد، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون الأودي (٣)، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي قال: "إن المرأة من نساء أهل الجنة ليُرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من الحرير (٤)، حتى يرى مخها، وذلك أن الله تعالى يقول: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)، فأما الياقوت فإنه حَجَرٌ لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه".

وهكذا رواه الترمذي من حديث عُبَيْدَة بن حميد وأبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، به (٥). ورواه موقوفا، ثم قال: وهو أصح (٦).


(١) في م: "مخيمر".
(٢) زيادة من م.
(٣) في أ: "الأزدي".
(٤) في م: "حرير".
(٥) سنن الترمذي برقم (٢٥٣٣).
(٦) سنن الترمذي برقم (٢٥٣٤).