للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: هَذَا نَعْتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، نَعَتَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ تَقْشَعِرَّ جُلُودُهُمْ، وَتَبْكِيَ أَعْيُنُهُمْ، وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَلَمْ يَنْعَتْهُمْ بِذَهَابِ عُقُولِهِمْ وَالْغَشَيَانِ عَلَيْهِمْ، إِنَّمَا هَذَا فِي أَهْلِ الْبِدَعِ، وَهَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ.

وَقَالَ السُّدِّي: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أَيْ: إِلَى وَعْدِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أَيْ: هَذِهِ صِفَةُ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ مِمَّنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ، {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرَّعْدِ:٣٣] .

{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) } .

يَقُولُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، ويُقْرَعُ فَيُقَالُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ مِنَ الظَّالِمِينَ: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} ، كَمَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْمُلْكِ:٢٢] ، وَقَالَ: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [الْقَمَرِ:٤٨] ، وَقَالَ [تَعَالَى] (١) {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فُصِّلَتْ:٤٠] ، وَاكْتَفَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ (٢) .

فَمَا أدْري إذَا يَمَّمْتُ أرْضًا ... أريدُ الخيرَ: أَيُّهُمَا يَليني? ...

يَعْنِي: الْخَيْرَ أَوِ الشَّرَّ.

وَقَوْلُهُ: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} يَعْنِي: الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ الْمُكَذِّبَةَ لِلرُّسُلِ، أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ.

وَقَوْلُهُ: {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: بِمَا أَنْزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَتَشَفِّي (٣) الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ، فَلْيَحْذَرِ الْمُخَاطَبُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا أَشْرَفَ الرُّسُلِ، وَخَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ أعظمُ مِمَّا أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} .


(١) زيادة من ت.
(٢) البيت في تفسير الطبري (٢٢/٩٨) .
(٣) في س، أ: "يشفي".

<<  <  ج: ص:  >  >>