للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن يجعلني منهم. فقال: "سبقك بها عكاشة" قال: فقال رسول الله : "فإن استطعتم -فداكم أبي وأمي-أن تكونوا من أصحاب السبعين فافعلوا وإلا فكونوا (١) من أصحاب الظراب (٢)، وإلا فكونوا من أصحاب الأفق، فإني قد رأيت ناسًا كثيرًا قد تأشَّبوا حوله" (٣). ثم قال: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة". فكبرنا، ثم قال: "إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة". قال: فكبرنا، قال: "إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة". قال: فكبرنا. ثم تلا رسول الله هذه الآية: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ) قال: فقلنا بيننا: من هؤلاء السبعون ألفا؟ فقلنا: هم الذين ولدوا في الإسلام، ولم يشركوا. قال: فبلغه ذلك فقال: "بل هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون".

وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة، به نحوه (٤). وهذا الحديث له طرق كثيرة من غير هذا الوجه في الصحاح وغيرها.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مِهْرَان، حدثنا سفيان، عن أبان بن أبي عياش، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ) قال: قال رسول الله : "هُمَا جميعًا من أمتي" (٥).

﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)﴾.

لما (٦) ذكر تعالى حال أصحاب اليمين، عطف عليهم بذكر أصحاب الشمال، فقال: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) أي: أي شيء هم فيه أصحاب الشمال؟ ثم فَسَّر ذلك فقال: (فِي سَمُومٍ) وهو: الهواء الحار (وَحَمِيمٍ) وهو: الماء الحار.

(وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) قال ابن عباس: ظل الدخان. وكذا قال مجاهد، وعِكْرِمَة، وأبو صالح، وقتادة، والسُّدِّيّ، وغيرهم. وهذه كقوله تعالى: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ٢٩، ٣٤]،


(١) في م: "ولا تكونوا".
(٢) في أ: "الضراب".
(٣) في م: "حوالهم".
(٤) تفسير الطبري (٢٧/ ١٠٩).
(٥) تفسير الطبري (٢٧/ ١١٠) ورواه ابن عدي في الكامل (١/ ٣٨٧) من طريق محمد بن كثير، عن سفيان الثوري عن أبان بن أبي عياش به، وقال ابن عدي: "أبان بن أبي عياش له روايات غير ما ذكرت وعامة ما يرويه لا يتابع عليه".
(٦) في م: "ولما".