للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولهذا قال هاهنا: (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) وهو الدخان الأسود (لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) أي: ليس طيب الهبوب ولا حَسَن المنظر، كما قال الحسن وقتادة: (وَلا كَرِيمٍ) أي: ولا كريم المنظر. وقال الضحاك: كل شراب ليس بعذب فليس بكريم.

وقال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة في النفي، فيقولون: "هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم، هذا اللحم ليس بسمين ولا كريم، وهذه الدار ليست بنظيفة ولا كريمة".

ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك، فقال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) أي: كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم، لا يلوون على ما جاءتهم به الرسل.

(وَكَانُوا يُصِرُّونَ) أي: يُصَمِّمون ولا ينوون توبة (عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) وهو الكفر بالله، وجعل الأوثان والأنداد أربابًا من دون الله.

قال ابن عباس: (الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) الشرك. وكذا قال مجاهد، وعِكْرِمَة، والضحاك، وقتادة، والسُّدِّيّ، وغيرهم.

وقال الشعبي: هو اليمين الغموس.

(وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ)؟ يعني: أنهم يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي: أخبرهم يا محمد أن الأولين والآخرين من بني آدم سيجمعون إلى عَرَصات القيامة، لا نغادر منهم أحدًا، كما قال: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٣ - ١٠٥]. ولهذا قال هاهنا: (لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي: هو موقت بوقت مُحَدَّد، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص.

﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)﴾.

(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ): وذلك أنهم يقبضون ويُسَجَرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم، حتى يملؤوا منها بطونهم، (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) وهي الإبل العطاش، واحدها أهيم، والأنثى هيماء، ويقال: هائم وهائمة.

قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، وعكرمة: الهِيم: الإبل العطاش الظماء.

وعن عِكْرِمَة أنه قال: الهيم: الإبل المراض، تَمص الماء مَصًّا ولا تَرْوَى.

وقال السدي: الهيم: داء يأخذ الإبل فلا تَرْوَى أبدًا حتى تموت، فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبدًا.