وعن خالد بن معدان: أنه كان يكره أن يشرب شُرْبَ الهيم عَبَّة واحدة من غير أن يتنفس ثلاثًا.
ثم قال تعالى:(هَذَا نزلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) أي: هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم، كما قال في حق المؤمنين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا﴾ [الكهف: ١٠٧] أي: ضيافة وكرامة.
يقول تعالى مُقررًا للمعاد (١)، وردًّا على المكذبين به من أهل الزيغ والإلحاد، من الذين قالوا: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [الصافات: ١٦]، وقولهم ذلك صدر منهم على وجه التكذيب والاستبعاد، فقال:(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ) أي: نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، أفليس الذي قدر على البداءة بقادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى؛ فلهذا قال:(فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ) أي: فهلا تصدقون بالبعث! ثم قال مستدلا عليهم بقوله: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) أي: أنتم تقرونه في الأرحام وتخلقونه فيها، أم الله الخالق لذلك؟
ثم قال:(نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) أي: صرفناه بينكم.
وقال الضحاك: ساوى فيه بين أهل السماء والأرض.
(وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي: وما نحن بعاجزين.
(عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ) أي: نغير خلقكم يوم القيامة، (وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ) أي: من الصفات والأحوال.
ثم قال:(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ) أي: قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة -وهي البَداءة-قادر على النشأة الأخرى، وهي الإعادة بطريق الأولى والأحرى، وكما قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧]، وقال: ﴿أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: ٦٧]، وقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٧ - ٧٩]، وقال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾؟ [القيامة: ٣٦ - ٤٠].