للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: وقال بعض أهل العربية: معنى قوله: (فَلا أُقْسِمُ) فليس الأمر كما تقولون، ثم استأنف القسم بعد فقيل: أقسم.

واختلفوا في معنى قوله: (بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ)، فقال حكيم بن جُبَيْر، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس يعني: نجوم القرآن؛ فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مُفَرَّقًا (١) في السنين بعد. ثم قرأ ابن عباس هذه الآية.

وقال الضحاك عن ابن عباس: نزل القرآن جملة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السَّفَرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجَّمَته السَّفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل على محمد عشرين سنة، فهو قوله: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) نجوم القرآن.

وكذا قال عِكْرِمَة، ومجاهد، والسُّدِّيّ، وأبو حَزْرَة.

وقال مجاهد أيضًا: (بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) في السماء، ويقال: مطالعها ومشارقها. وكذا قال الحسن، وقتادة، وهو اختيار ابن جرير. وعن قتادة: مواقعها: منازلها. وعن الحسن أيضًا: أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة. وقال الضحاك: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) يعني بذلك: الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مُطِروا، قالوا: مطرنا بنوء كذا وكذا.

وقوله: (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) أي: وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون (٢) عظمته لعظمتم المقسم به عليه،

﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)﴾.

(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) أي: إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم. (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) أي: معظّم في كتاب معظم محفوظ موقر.

قال ابن جرير: حدثني إسماعيل بن موسى (٣)، أخبرنا شريك، عن حكيم -هو ابن جبير-عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: (لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ) قال: الكتاب الذي في السماء.

وقال العَوْفِيّ، عن ابن عباس: ([لا يَمَسُّهُ] إِلا الْمُطَهَّرُونَ) (٤) يعني: الملائكة. وكذا قال أنس، ومجاهد، وعِكْرِمَة، وسعيد بن جُبَيْر، والضحاك، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وأبو نَهِيك، والسُّدِّيّ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، حدثنا معمر، عن قتادة: (لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ) قال: لا يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس. وقال: وهي في قراءة ابن مسعود: (مَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ).

وقال أبو العالية: (لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ) ليس أنتم أصحاب الذنوب.

وقال ابن زيد: زَعَمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢].


(١) في أ: "متفرقا".
(٢) في أ: "لو علمتم".
(٣) في م، أ: "موسى ابن إسماعيل".
(٤) زيادة من م.