للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا القول قول جيد، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله.

وقال الفراء: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به.

وقال آخرون: (لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ) أي: من الجنابة والحدث. قالوا: ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب، قالوا: والمراد بالقرآن هاهنا المصحف، كما روى مسلم، عن ابن عمر: أن رسول الله نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله العدو (١). واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله لعمرو بن حزم: ألا يمس القرآن إلا طاهر (٢). وروى أبو داود في المراسيل، من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله قال: "ولا يمس القرآن إلا طاهر" (٣).

وهذه وِجَادةٌ جيدة. قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي (٤) الأخذ به. وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عمر، وعثمان بن أبي العاص، وفي إسناد كل منها نظر (٥)، والله أعلم.

وقوله: (تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أي: هذا القرآن منزل من [الله] (٦) رب العالمين، وليس هو كما يقولون: إنه سحر، أو كهانة، أو شِعر، بل هو الحق الذي لا مِرْية فيه، وليس وراءه حق نافع.

وقوله: (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) قال العَوْفِيّ، عن ابن عباس: أي مكذبون غير مصدقين. وكذا قال الضحاك، وأبو حَزْرَة، والسُّدِّيّ.

وقال مجاهد: (مُدْهِنُونَ) أي: تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم.

(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قال بعضهم: يعني: وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنكم تكذبون، أي: تكذبون بدل الشكر.

وقد روي عن علي، وابن عباس أنهما قرآها: "وتجعلون شكركم (٧) أنكم تكذبون" كما سيأتي.

وقال ابن جرير: وقد ذكر عن الهيثم بن عدي: أن من لغة أزد شَنوءةَ: ما رزق فلان بمعنى: ما شكر فلان.

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن أبي


(١) صحيح مسلم برقم (١٨٦٩) وهو أيضا في صحيح البخاري برقم (٢٩٩٠).
(٢) الموطأ (١/ ١٩٩).
(٣) المراسيل برقم (٢٥٧).
(٤) في أ: "لا ينبغي".
(٥) سنن الدارقطني (١/ ١٢، ١٢٢).
(٦) زيادة من أ.
(٧) في أ: "بشكركم".