للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمر تعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل، والدوام والثبات على ذلك والاستمرار، وحث على الإنفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي مما هو معكم على سبيل العارية، فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم، فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفهم فيه من المال في طاعته، فإن (١) يفعلوا وإلا حاسبهم عليه وعاقبهم لتركهم الواجبات فيه.

وقوله: (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفًا عنك، فلعل وارثك أن يطيع الله فيه، فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك منك، أو يعصي الله فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت قتادة يحدث، عن مُطَرَّف-يعني بن عبد الله بن الشّخّير-عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله وهو يقول: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر: ١]، يقول ابن آدم: مالي مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ ".

ورواه مسلم من حديث شعبة، به (٢) وزاد: "وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس"

وقوله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) ترغيب في الإيمان والإنفاق في الطاعة،

ثم قال: (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ)؟ أي: وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم، يدعوكم إلى ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به؟ وقد روينا في الحديث من طُرُق في أوائل شرح "كتاب الإيمان" من صحيح البخاري: أن رسول الله قال يوما لأصحابه: "أيُّ المؤمنين أعجب إليكم إيمانًا؟ " قالوا: الملائكة. قال: "وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ " قالوا: فالأنبياء. قال: "وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ ". قالوا: فنحن؟ قال: "وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيؤون بعدكم يجدون صُحُفًا يؤمنون بما فيها" (٣)

وقد ذكرنا طرفًا من هذا في أول سورة "البقرة" عند قوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣].

وقوله: (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ) كما قال: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [المائدة: ٧]. ويعني بذلك: بيعة الرسول .

وزعم ابن جرير أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، وهو مذهب مجاهد، فالله أعلم.

وقوله: (هُوَ الَّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) أي: حججًا واضحات، ودلائل باهرات، وبراهين قاطعات، (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) أي: من ظلمات الجهل والكفر والآراء


(١) في م: "وإن لم".
(٢) المسند (٤/ ٢٤) وصحيح مسلم برقم (٢٩٥٨).
(٣) سبق تخريج الحديث عند تفسير الآية: ٣ من سورة البقرة.