للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المتضادة إلى نور الهدى واليقين والإيمان، (وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) أي: في إنزاله الكتب وإرساله الرسل لهداية الناس، وإزاحة العلل وإزالة الشبه.

ولما أمرهم أولا بالإيمان والإنفاق، ثم حثهم على الإيمان، وبين أنه قد أزال عنهم موانعه، حثهم (١) أيضًا على الإنفاق. فقال: (وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) أي: أنفقوا ولا تخشَوا فقرًا (٢) وإقلالا فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والأرض، وبيده مقاليدهما، وعنده خزائنهما، وهو مالك العرش بما حوى، وهو القائل: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: ٣٩]، وقال ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل: ٩٦] فمن توكل على الله أنفق، ولم يخش من ذي العرش إقلالا وعلم أن الله سيخلفه عليه.

وقوله: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ) أي: لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله، وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدًا، فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون، وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورًا عظيمًا، ودخل الناس في دين الله أفواجا؛ ولهذا قال: (أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)

والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة. وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا: صلح الحديبية، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد:

حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا زُهَير، حدثنا حُمَيد الطويل، عن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها؟ فبلغنا أن ذلك ذُكر للنبي فقال: " دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفقتم مثل أحد-أو مثل الجبال-ذهبًا، ما بلغتم أعمالهم" (٣)

ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جَذيمة الذين بعث إليهم رسول الله خالد بن الوليد بعد الفتح، فجعلوا يقولون: "صبأنا، صبأنا"، فلم يحسنوا أن يقولوا: "أسلمنا"، فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم، فخالفه عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر وغيرهما. فاختصم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك (٤)

والذي في الصحيح عن رسول الله أنه قال: " لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نَصيفه" (٥)

وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، من حديث ابن وهب: أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن


(١) في م: "ثم حثهم".
(٢) في أ: "قترًا".
(٣) المسند (٣/ ٢٦٦).
(٤) رواه البخاري في صحيحه برقم (٧١٨٩) من حديث بن عمر، .
(٥) صحيح البخاري برقم (٣٦٧٣) وصحيح مسلم برقم (٢٥٤١) من حديث أبي سعيد الخدري، .