للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي كل خير" (١) وإنما نَبَّه بهذا لئلا يُهدرَ جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر، فيتوهم متوهم ذمه؛ فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه، مع تفضيل الأول عليه؛ ولهذا قال: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي: فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذلك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق. وفي الحديث: "سبق درهم مائة ألف" (٢) ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر، ، له الحظ الأوفر من هذه الآية، فإنه سيّد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله، ﷿، ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها.

وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الآية أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي (٣) أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب، أخبرنا محمد بن يونس، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، حدثنا سفيان بن سعيد، عن آدم بن علي، عن ابن عمر قال: كنت عند النبي وعنده أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خَلَّها في صدره بخلال، فنزل جبريل فقال: مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خَلَّها في صدره بِخلال؟ فقال: "أنفق ماله عليَّ قبل الفتح" قال: فإن الله يقول: اقرأ عليه السلام، وقل له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله: "يا أبا بكر، إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أراض أنت عَني في فقرك هذا أم ساخط؟ " فقال: أبو بكر، : أسخط على ربي ﷿؟ إني عن ربي راض (٤)

هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه.

وقوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) قال عمر بن الخطاب: هو الإنفاق في سبيل الله، وقيل: هو النفقة على العيال والصحيح أنه أعم من ذلك، فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة وعزيمة صادقة، دخل في عموم هذه الآية؛ ولهذا قال: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) كما قال في الآية الأخرى: ﴿أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] (٥) أي: جزاء جميل ورزق باهر-وهو الجنة-يوم القيامة.

قال بن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله ليريد منا القرض؟ " قال: "نعم، يا أبا الدحداح". قال أرني يدك يا رسول الله قال: فناوله يده قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي-وله حائط (٦) فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها-قال: فجاء


(١) صحيح مسلم برقم (٢٦٦٤) من حديث أبي هريرة .
(٢) رواه النسائي في السنن (٥/ ٥٩) من حديث أبي هريرة .
(٣) في أ: "الشرعي".
(٤) معالم التنزيل للبغوي (٨/ ٣٤) وفيه: "إني عن ربي راض" مرتين، ووجه ضعفه أنه فيه العلاء بن عمرو. قال بن حبان: "يروى أبي إسحاق الفزاري العجائب، لا يجوز الاحتجاج به بحال" وساق الحديث.
(٥) في أ، م، هـ: "أضعافًا كثيرة وله أجر كريم" وهوخطأ، والصواب ما أثبتناه.
(٦) في أ: "وحائط له".