للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ: "اللَّهُمَّ، إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ، وَنَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِهِمْ" (١) .

{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ (٢٩) }

الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ كَانَ قبْطيًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ.

قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ الَّذِي نَجَا مَعَ مُوسَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ (٢) ، وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ انْفَعَلَ لِكَلَامِهِ وَاسْتَمَعَهُ، وَكَفَّ عَنْ قَتْلِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا لَأَوْشَكَ أَنْ يُعَاجَلَ (٣) بِالْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ (٤) .

وَقَالَ ابْنُ جُرَيج عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ سِوَى هَذَا الرَّجُلِ وَامْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَالَّذِي قَالَ: {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [الْقَصَصِ:٢٠] رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَدْ كَانَ هَذَا الرجلُ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ عَنْ قَوْمِهِ الْقِبْطِ، فَلَمْ يَظْهَرْ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ حِينَ قَالَ فِرْعَوْنُ: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} ، فَأَخَذَتِ الرَّجُلَ غَضْبَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَ"أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ"، كَمَا ثَبَتَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ عِنْدَ فِرْعَوْنَ وَهِيَ قَوْلُهُ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ] (٥) ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَيْثُ قَالَ:

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي (٦) عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ مِمَّا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبة بْنُ أَبِي مُعَيط، فَأَخَذَ بمَنْكب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ (٧) ودَفَع عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} .


(١) رواه أحمد في مسنده (٤/٤١٤) .
(٢) تفسير الطبري (٢٤/٣٨) .
(٣) في ت: "يقابل".
(٤) في ت، س: "متهم".
(٥) زيادة من ت، س، أ.
(٦) في ت: "في صحيحه بإسناده عن".
(٧) في ت، س: "بمنكبيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>