للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد قال ابن أبي حاتم، : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، أخبرنا عمي (١) عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد (٢) بن مسعود: أنه سمع عبد الرحمن بن جُبَيْر يحدث: أنه سَمِع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي قال: "أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود، وأول من يؤذن له برفع رأسه، فأنظر من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، فأعرف أمتي من بين الأمم". فقال له رجل: يا نبي الله، كيف تعرف أمتك من بين الأمم، ما بين نوح إلى أمتك؟ قال: "أعرفهم، مُحَجَّلون من أثر الوضوء، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم، وأعرفهم يُؤْتَون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم" (٣) (٤)

وقوله (وَبِأَيْمَانِهِمْ) قال الضحاك: أي وبأيمانهم كتبهم، كما قال: ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الإسراء: ٧١].

وقوله: (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) أي: يقال لهم: بشراكم اليوم جنات، أي: لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار، (خَالِدِينَ فِيهَا) أي: ماكثين فيها أبدًا (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

وقوله: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة، والزلازل العظيمة، والأمور الفظيعة (٥) وإنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله، وعمل بما أمر الله، به وترك ما عنه زجر.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبدة بن سليمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني سليم بن عامر قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق، ومعنا أبو أمامة الباهلي، فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها، قال أبو أمامة: أيها الناس، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر، وهو هذا-يشير إلى القبر-بيت الوحدة، وبيت الظلمة، وبيت الدود، وبيت الضيق، إلا ما وسع الله، تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة، فإنكم في بعض تلك المواطن [حتى] (٦) يغشى الناس أمر من الله، فتبيض وجوه وتسود وجوه، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فتغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورًا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئًا، وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه، قال ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ إلى قوله: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠]، فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى بنور (٧) البصير، ويقول المنافقون للذين آمنوا: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) وهي خدعة الله التي خدع


(١) في أ: "أخي"
(٢) في م: "سعيد".
(٣) في م: "وبأيمانهم".
(٤) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٤٧٨) من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه، وله طريق آخر سيأتي عند تفسير سورة التحريم.
(٥) في أ: "العظيمة".
(٦) في هـ: "يوم"، والمثبت من م، أ.
(٧) في م: "ببصر".