للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مؤذن بيت المقدس-قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إن السور الذي ذكر (١) الله في القرآن: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه، وظاهره وادي جهنم.

ثم روي عن عبادة بن الصامت، وكعب الأحبار، وعلي بن الحسين زين العابدين، نحو ذلك. وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ونفس المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم؛ فإن الجنة في السموات في أعلى عليين، والنار في الدركات أسفل سافلين. وقول كعب الأحبار: إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد، فهذا من إسرائيلياته وتُرّهاته. وإنما المراد بذلك: سورٌ يُضْرَب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين، فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه، فإذا استكملوا دُخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب، كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) أي: ينادي المنافقون المؤمنين: أما (٢) كنا معكم في الدار الدنيا، نشهد معكم الجمعات، ونصلي معكم الجماعات، ونقف معكم بعرفات، ونحضر معكم الغزوات، ونؤدي معكم سائر الواجبات؟ (قَالُوا بَلَى) أي: فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين: بلى، قد كنتم معنا، (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ) قال بعض السلف: أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات (وَتَرَبَّصْتُمْ) أي: أخرتم التوبة من وقت إلى وقت.

وقال قتادة: (وَتَرَبَّصْتُمْ) بالحق وأهله (وَارْتَبْتُمْ) أي: بالبعث بعد الموت (وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ) أي: قلتم: سيغفر لنا. وقيل: غرتكم الدنيا (حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ) أي: ما زلتم في هذا حتى جاء الموت (وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) أي: الشيطان.

قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار.

ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين: إنكم كنتم معنا [أي] (٣) بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها، وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تُراؤون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلا.

قال مجاهد: كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتا، ويعطون النور جميعًا يوم القيامة، ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور، ويُماز بينهم حينئذ.

وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله به عنهم، حيث يقول-وهو أصدق القائلين-: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ [المدثر: ٣٨ - ٤٧]،


(١) في م: "ذكره".
(٢) في م: "إنا".
(٣) زيادة من م.