للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اليهود، الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن. ثم قال: (مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ) أي: هؤلاء المنافقون، ليسوا في الحقيقة لا منكم أيها المؤمنون، ولا من الذين تولوهم وهم اليهود.

ثم قال: (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يعني: المنافقين يحلفون على الكذب وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا، وهي اليمين الغموس، ولا سيما في مثل حالهم اللعين، عياذًا بالله منه (١) فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا جاءوا الرسول حلفوا بالله [له] (٢) أنهم مؤمنون، وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به؛ لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه، وإن كان في نفس الأمر مطابقًا؛ ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك.

ثم قال: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أي: أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة، وهي موالاة الكافرين ونصحهم، ومعاداة المؤمنين وغشهم؛ ولهذا قال تعالى (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) أي: أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، واتقوا بالأيمان الكاذبة، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم، فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس (فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) أي: في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة.

ثم قال: (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) أي: لن يدفع ذلك عنهم بأسا (٣) إذا جاءهم، (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

ثم قال: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا) أي: يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحدًا، (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) أي: يحلفون بالله (٤) ﷿، أنهم كانوا على الهدى والاستقامة، كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا؛ لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه، ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس، فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة؛ ولهذا قال: (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ) أي: حلفهم ذلك لربهم، ﷿.

ثم قال منكرًا عليهم حسبانهم (٥) (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) فأكد الخبر عنهم بالكذب.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن نفيل، حدثنا زهير، عن (٦) سمَاك بن حرب، حدثني سعيد بن جُبَير؛ أن ابن عباس حدثه: أن النبي كان في ظل حجرة من حُجَره، وعنده نفر من المسلمين قد كان يَقلصُ عنهم الظل، قال: "إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تكلموه". فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله فكلمه، فقال؛ "علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ "-نفر دعاهم بأسمائهم-قال: فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا له واعتذروا إليه، قال فأنزل الله، ﷿: (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ)


(١) في م: "عياذًا بالله من ذلك".
(٢) زيادة من م.
(٣) في م: "بأس الله".
(٤) في م: "الله".
(٥) في م، أ: "حسابهم".
(٦) في م: "حدثنا".