للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهكذا رواه الإمام أحمد من طريقين، عن سماك، به (١) ورواه ابن جرير، عن محمد بن المثني، عن غُنْدَر، عن شعبة، عن سماك، به نحوه (٢) وأخرجه أيضًا من حديث سفيان الثوري، عن سماك، بنحوه. إسناد جيد ولم يخرجوه.

وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٣، ٢٤]

ثم قال: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) أي: استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله، ﷿، وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه؛ ولهذا قال أبو داود:

حدثنا أحمد ابن يونس، حدثنا زائدة، حدثنا السائب بن حُبَيش، عن مَعْدان بن أبي طلحة اليَعْمُري، عن أبي الدرداء: سمعت رسول الله يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بَدْو، لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية". قال زائدة: قال السائب: يعني الصلاة في الجماعة (٣).

ثم قال تعالى: (أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ) يعني: الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. ثم قال تعالى: (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار المعاندين المحادين (٤) لله ورسوله، يعني: الذين هم في حَدٍّ والشرع في حَدٍّ، أي: مجانبون للحق مشاقون له، هم في ناحية والهدى في ناحية، (أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ) أي: في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب، الأذلين في الدنيا والآخرة.

(كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) أي: قد حكم وكتب في كتابه الأول وقَدَره الذي لا يُخالَف ولا يُمانع، ولا يبدل، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة


(١) المسند (١/ ٢٤٠).
(٢) تفسير الطبري (٢٨/ ١٧).
(٣) سنن أبي داود برقم (٥٤٧).
(٤) في أ: "المحاربين".