للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أعلى من حال الذين وَصَف اللهُ بقوله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ (١) [الإنسان: ٨]. وقوله: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧].

فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه. ومن هذا المقام تصدق الصديق، ، بجميع ماله، فقال له رسول الله : "ما أبقيت لأهلك؟ ". فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. وهذا (٢) الماء الذي عُرض (٣) على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوجَ ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثالث، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم، وأرضاهم.

وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، حدثنا أبو أسامة، حدثنا فُضيل بن غَزوان، حدثنا أبو حازم الأشجعي، عن أبي هُرَيرة قال: أتى رجل رسول الله فقال: يا رسول الله، أصابني الجهدُ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا، فقال النبي : "ألا رجل يُضَيّفُ هذا الليلة، ؟ ". فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضَيفُ رسول الله لا تَدّخريه شيئًا. فقالت: والله ما عندي إلا قوتُ الصبية. قال: فإذا أراد الصبيةُ العَشَاء فنوّميهم وتعالى فأطفئي السراج ونَطوي بطوننا الليلة. ففعلَت، ثم غدا الرجل على رسول الله ، فقال: "لقد عجب الله، ﷿ -أو: ضحك-من فلان وفلانة". وأنزل الله ﷿: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (٤).

وكذا رواه البخاري في موضع آخر، ومسلم والترمذي والنسائي من طرق، عن فضيل بن غزوان، به نحوه (٥). وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة، .

وقوله: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي: من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح.

قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا داود بن قيس الفراء، عن عُبَيد الله بن مِقْسَم، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال: "إياكم والظلّم، فإن الظُّلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشُحَّ، فإن الشّحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سَفَكُوا دماءهم واستَحلُّوا محارمهم".

انفرد بإخراجه مسلم، فرواه عن القَعْنَبِيّ، عن داود بن قيس، به (٦).

وقال الأعمش وشعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأقمر، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : "اتقوا الظُّلْم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الفُحْش، فإن الله لا يحب الفحش ولا التَّفَحُّشَ، وإياكم والشُّحَّ؛ فإنه أهلكَ من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا".


(١) في أ: "حبه مسكينًا".
(٢) في م: "وهكذا".
(٣) في م: "اعرضوه".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٨٨٩).
(٥) صحيح البخاري برقم (٣٧٩٨) وصحيح مسلم برقم (٢٠٥٤) وسنن الترمذي برقم (٣٣٠٤) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٥٨٢).
(٦) المسند (٣/ ٣٢٣) وصحيح مسلم برقم (٢٥٧٨).