للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك الرجل على مثل حالته الأولى (١) فلما قام رسول الله تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني (٢) إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي (٣) فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تَعارّ تقلب على فراشه، ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غَضَب ولا هَجْر (٤) ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرَار (٥) "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة". فطلعت أنت الثلاث المرار (٦) فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملكَ فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير (٧) عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسولُ الله ؟ قال: ما هو إلا ما رأيت. فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجدُ في نفسي لأحد من المسلمين غِشّا، ولا أحسدُ أحدًا على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق (٨).

ورواه النسائي في اليوم والليلة، عن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن معمر به (٩) وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين، لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري، عن رجل، عن أنس (١٠). فالله أعلم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) يعني (مِمَّا أُوتُوا) المهاجرون. قال: وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم من الأنصار، فعاتبهم الله في ذلك، فقال: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ قال: وقال رسول الله: "إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم". فقالوا: أموالنا بيننا قطائع. فقال رسول الله : "أو غير ذلك؟ ". قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "هم قوم لا يعرفون العمل، فتكفونهم وتقاسمونهم (١١) الثمر". فقالوا: نعم يا رسول الله (١٢)

وقوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (١٣) يعني: حاجة، أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.

وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: " أفضلُ الصدقة جُهْدُ المُقِلّ". وهذا المقام


(١) في م: "الأول".
(٢) في أ: "أن توريني".
(٣) في م: "الليالي الثلاث".
(٤) في م، أ: "ولا هجرة".
(٥) في م: "مرات".
(٦) في م: "المرات".
(٧) في م: "كبير".
(٨) في م: "لا نطيق"، وفي أ: "لا تطيق".
(٩) المسند (٣/ ١٦٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (١٠٦٩٩).
(١٠) انظر: تحفة الأشراف للمزى (١/ ٣٩٥) وكلام الحافظ بن حجر في النكت الظراف بهامشه.
(١١) في م: "ويقاسمونكم".
(١٢) رواه الطبري في تفسيره (٢٨/ ٢٨).
(١٣) ذكر في "م" بقية الآية.