للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٥٧] وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٤٤]. وقال تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٢٨]؛ ولهذا قَبِل رسول الله عُذْرَ حاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش، لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد.

ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد:

حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا الأجلح، عن قيس بن أبي مسلم، عن ربعي بن حرّاش، سمعت حُذيفة يقول: ضَرَب لنا رسول الله أمثالا واحدًا وثلاثة وخمسة وسبعة، وتسعة، وأحد عشر -قال: فضرب لنا منها مثلا وترك سائرها، قال: "إن قومًا كانوا أهل ضعف ومسكنة، قاتلهم أهل تجبر وعداء، فأظهر الله أهل الضعف عليهم، فَعَمَدوا إلى عَدُوهم فاستعملوهم وسلّطوهم، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه" (١).

وقوله: (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم؛ لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده؛ ولهذا قال: (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) أي: لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين، كقوله: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج: ٨]، وكقوله ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج: ٤٠].

وقوله: (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي) أي: إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء، إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم فلا توالوا أعدائي وأعداءكم، وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقًا عليكم وسخطًا لدينكم.

وقوله: (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ) أي: تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) أي: لو قدروا عليكم لما اتقوا (٢) فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعال. (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) أي: ويحرصون على ألا تنالوا خيرًا، فهم عداوتهم لكم كامنة وظاهرة، فكيف توالون مثل هؤلاء؟ وهذا تهييج على عداوتهم أيضًا.

وقوله: (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي: قراباتكم لا تنفعكم عند الله (٣) إذا أراد الله بكم سوءًا، ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما


(١) المسند (٥/ ٤٠٧) وقال الهيثمي في المجمع (٥/ ٢٣٢): "وفيه الأجلح الكندي وهو ثقة وقد ضعف، وبقية رجاله ثقات".
(٢) في أ: "لما أبقوا".
(٣) في م: "عند الله ولا أولادكم".