للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسخط الله، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخَسِر وضَلّ عمله، ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد، ولو كان قريبًا إلى نبي من الأنبياء. قال الإمام أحمد:

حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا قال: يا رسول الله: أين أبي؟ قال: "في النار" فلما (١) قَفَّى دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار".

ورواه مسلم وأبو داود، من حديث حماد بن سلمة، به (٢).

﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥)

يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) أي: وأتباعه الذين آمنوا معه (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ) أي: تبرأنا منكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ) أي: بدينكم وطريقكم، (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا) يعني: وقد شُرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، ما دمتم على كفركم فنحن أبدًا نتبرأ منكم ونبغضكم (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) أي: إلى أن تُوحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأنداد والأوثان.

وقوله: (إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي: لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها، إلا في استغفار إبراهيم لأبيه، فإنه إنما كان عن مَوعِدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يَدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم، ويقولون: إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه، فأنزل الله، ﷿: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٣ - ١١٤]. وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) إلى قوله: (إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) أي:


(١) في م: "قال: فلما".
(٢) المسند (٣/ ٢٦٨) وصحيح مسلم برقم (٢٠٣) وسنن أبي داود برقم (٨١٧٤).