للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذه الآية هي مصداق إجابة الله لخليله إبراهيم، حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. فبعثه الله وله الحمد والمنة، على حين فترة من الرسل، وطُمُوس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، وقد مقت الله أهلَ الأرض عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب -أي: نزرا يسيرا-ممن تمسك بما بعث الله به عيسى ابن مريم ؛ ولهذا قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وذلك أن العرب كانوا [قديما] (١) متمسكين بدين إبراهيم [الخليل] (٢) فبدلوه وغيروه، وقلبوه وخالفوه، واستبدلوا بالتوحيد شركا (٣) وباليقين شكا، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله (٤) وكذلك أهل الكتابين قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها، فبعث الله محمدًا صلوات الله وسلامه عليه بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق، فيه هدايتهم، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة، ورضا الله عنهم، والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط الله. حاكم، فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب في الأصول والفروع. وجمَعَ له تعالى، وله الحمد والمنة، جميع المحاسن ممن كان قبله، وأعطاه ما لم يُعطِ أحدًا من الأولين، ولا يعطيه أحدًا من الآخرين، فصلوات الله وسلامه عليه [دائمًا] (٥) إلى يوم الدين.

وقوله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال الإمام أبو عبد الله البخاري .

حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغَيث، عن أبي هريرة، ، قال: كنا جلوسا عند النبي فأنزلت عليه سورة الجمعة: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قالوا: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول الله يده على سلمان ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثُّرَيَّا لناله رجال -أو: رجل-من هؤلاء".

ورواه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن جرير، من طرق عن ثور بن زيد الدِّيلي (٦) عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، به (٧)

ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية، وعلى عموم بعثته إلى جميع الناس؛ لأنه فسر قوله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) بفارس؛ ولهذا كتب كتبه إلى فارس والروم وغيرهم من الأمم، يدعوهم إلى الله ﷿، وإلى اتباع ما جاء به؛ ولهذا قال مجاهد وغير واحد في قوله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال: هم الأعاجم، وكل من صدق النبي من غير العرب.


(١) زيادة من م، أ.
(٢) زيادة من م.
(٣) في أ: "شركا فيه".
(٤) في م: "لم يأذن الله بها".
(٥) زيادة من م، أ.
(٦) في أ: "الديلمي".
(٧) صحيح البخاري برقم (٤٨٩٧) وصحيح مسلم برقم (٢٥٤٦) وسنن الترمذي برقم (٣٣١٠) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٥٩٢) وتفسير الطبري (٢٨/ ٦٢).